أما بعد اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون واتقوا يوما ترجعون
أيها المسلمون: لقد حذَّر الله -جل وعلا- عباده من أذية المؤمنين، وحرم عليهم إلحاق الضرر بالمسلمين: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً وإن من أعظم الأذية بالمؤمنينالنميمة.. النميمة التي هي نقل الكلام بين الطرفين بغرض الإفساد؛ كأن يقول لآخر: قال فلان فيك كذا وكذا، وفعل في حقك كذا وكذا، وكأن ينقل له ما يوغر قلب أخيهالمسلم، سواءًَ كان ذلك بقول أو كتابة أو إشارة، وتشمل النميمة أيضا كشفَ ما يُكرهكشفُه، سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو كرهه آخر؛ فمن حقائق النميمة عندالعلماء إفشاءُ الأسرار وهتك الأستار عما يُكره كشفه؛ ولهذا قالوا: "كل مارآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره فينبغي السكوت عنه، إلا ما فيه تحذيرٌ لمسلم، أو دفعٌ لمنكر".
إخوةَ الإسلام: إن النميمة جريمة تعددت آثارها السيئة، وتكاثرت عواقبها الوخيمة.. هي عادة ذميمة وعمل لئيم، وجريمة أخلاقية منكرة لا يحسنها إلا الضعفاء والجبناء، ولا يتقبلها إلا الأراذل والتافهون؛ ولهذا تضافرت نصوص الوحيين على تحريمها والتحذير منها..(وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ،(وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ.. قيل: "إن الهمزة هي النميمة"، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول:"لا يدخلُ الجنةَ نمَّامٌ" متفق عليه، وفي حديث ابن عباس – رضي الله عنهما -أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر بقبرين، فقال: "إنهما لَيُعذَّبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة" متفقعليه.
إخوة الإسلام: النمام يمشي بين الناس بما يفسد قلوبهم ويقطع صِلاتهم، ويُذهِب المودة بينهم؛ ولهذا وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه إنسان ذو وجهين، يتلون بحسب المصالح والمنافع، ففي الحديث المتفق عليه: "تجد من شرار الناس عند الله يوم القيامة ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه و هؤلاء بوجه"، وروى أحمد أن النبي -صلى اللهعليه وسلم- قال: "شرار عباد الله المشَّاءُون بالنميمة المفرقون بين الأحبة ؛ فاتق الله أيهاالمسلم، واحفظ لسانك عن أذية غيرك من المسلمين تسلم وتغنم؛ فمن قواعد الشريعةالمقررة ضرورةُ حفظ اللسان عن جميع الكلام، إلا كلاماً تظهر المصلحة فيه، ومتىاستوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه حتى لا ينجر المباح إلى حرام أوإلى مكروه؛ فرسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" متفق عليه.
أيها النمام: راقب ربك واحذر سخط الجبار -جل وعلا- واعلم أن النميمة لا تُحصى شرورُها، ولا تستقصى مفاسدُها.. قال يحيى بن أكثم -رحمه الله-: "النمام شرٌّ من الساحر"،ويعمل النمام في ساعة ما لا يعمل الساحر في سنة، ويقال: عمل النمام أضرُّ من عملالشيطان؛ لأن الشيطان بالخيال والوسوسة، وعمل النمام بالمواجهة والمعاينة، وقد ذكربعض أهل العلم قصةً للعبرة والعظة، فعن حماد بن سلمة أنه قال: "إن رجلاً باع غلاماً عنده، فقال للمشتري ليس فيه عيب إلا أنه نمام فاستخفه المشتري فاشتراه على ذلك العيب، فمكث الغلام عند المشتري أياماً ثم قال لزوجة مولاه: إن زوجك لا يحبك وهو يريد أن يتسرى عليكِ، أفتريدين أن يعطف عليك؟ قالت: نعم، قال لها: خذي الموسى واحلقي شعرات من باطن لحيته إذا نام، ثم جاء إلى الزوج وقال: إن امرأتك اتخذت صاحباً وهي قاتلتك، أتريد أن يتبين لك ذلك؟ قال: نعم، قال: فتناوم لها، فتناوم الرجل فجاءت امرأته لتحلق الشعرات، فظن الزوج أنها تريد قتله فأخذ منها الموسى فقتلها، فجاء أولياؤها فقتلوه، وجاء أولياء الرجل ووقع القتال بين الفريقين"، أفرأيتم ما تصنع النميمة؟ كيف أودت بحياة رجلوزوجته، وأوقعت المقتلة بين أقاربهما بهذا الصنيع من ذي الوجهين دائماً؟ أعوذ باللهمن الشيطان الرجيم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بارك
الخطبة الثانية : الحمد لله …
قال يحيي بن معاذ : ليكن حظ المؤمن منك ثلاثاً : إن لم تنفعه فلا تضره ، وإن لمتفرحه فلا تغمه ، وإن لم تمدحه فلا تذمه .
واغتاب رجل عند معروف الكرخي فقال له : اذكر القطن إذا وضع على عينيك .
وقيل للربيع بن خثيم : ما نراك تغتاب أحداً ؟فقال : لست عن نفسي راضياً فأتفرغ لذم الناس .
وقال الإمام مالك : أدركت بهذهالبلدة – يعني المدينة – أقواماً ليس لهم عيوب فعابوا الناس فصارت لهم عيوب ،وأدركت بهذه البلدة أقواماً كانت لهم عيوب ، فسكتوا عن عيوب الناس فنسيت عيوبهم .
أيها الناس :
اشتغلوا عن الغيبة بالذكر فإن الذكر حياة القلوب ، فإن القلبإذا اشتغل بالذكر سلم من الاشتغال بضده من القيل والقال .
ولأن الاشتغال بالذكراشتغال عن الكلام الباطل من الغيبة والنميمة وغيرها.
فإن اللسان لا يسكت البتة ،فإما لسان ذاكر وإما لسان لاغٍ ولا بد من أحدهما .
فهي النفس إن لم تشغلها بالحقشغلتك بالباطل .
وهو القلب إن لم تسكنه محبة الله سكنتْه محبة المخلوقين ولا بد .
وهو اللسان إن لم تشغله بالذكر شغلك باللغو ولا بد .
.
إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى ** ودينك موفور وعِرْضُكَ صَيِنّ
لسانك لا تذكر به عورة امرئ ** فكلك عورات وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معايباً ** فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى**ودافع ولكن بالتي هي أحسن
[صلواوسلموا……….
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين. اللهم اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تجعل فينا شقيا ولا محروماً، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى ، اللهم أقر أعيننا بعودة المسجد الاقصى إلى حاضرة الاسلام والمسلمين وارزقنا فيه صلاة قبل الممات أو شهادة على أعتابه برحمتك ياارحم الراحمين ، اللهم من أراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه. ورُدَّ كيده في نحره. اللهم أبرم لهذه الأمةأمراً رشيداً يؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم أسقنا من فيضك المدرار وأجعلنا من الذكرين لك باللبل والنهار المستغفرين بالعشي والاسحار اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاحُ البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام.اللهم أحقن دماء المسلمين واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم يارب العامين
المصدر : موقع ملتقى الخطباء بتصرف
</B></I>