يعد سن الأربعين مرحلة مهمة في حياة الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة، فهي مرحلة النضوج الفكري والعاطفي، يبدأ خلالها الاستقرار الأسري والعملي، وبالرغم من ذلك فهي تمثل منعرجا مهما في حياة المرأة مع كل ما يشوبها من مفاهيم خاطئة كـ”سن اليأس” و”أزمة منتصف العمر” التي ترعب النساء اللاتي على أبواب بلوغ هذا السن. إلا أن للجزائريات وجهة نظر أخرى وطريقة تعايش مختلفة مع هذه المرحلة العمرية تكاد تكون في كثير من الأحيان غير مبالية بالشعارات التي تتداول في هذا الموضوع.
تمثل مرحلة سن اليأس عند الكثير من النساء رمزا خالدا لسقوط الأنوثة وفقدان القدرة على العطاء بل – وأحيانا- انتهاء دورها كأنثى وكزوجة. وفي الوقت الذي ينادي الكل بضرورة التكفل النفسي بالمرأة قبل وأثناء بلوغها هذه المرحلة العمرية وتعقد المؤتمرات وتعلو الشعارات، تستقبل المرأة الجزائرية في كثير من الأحيان سن الأربعين بنوع من التفاؤل والفعالية، وهذا ما أجابتنا به العديد ممن سألناهن عن مدى تأثير هذا السن على مجرى حياتهن، حيث استغربن سبب تسميته “بسن اليأس”.
وفي ذات السياق، تقول سليمة، بـ 48 سنة:”سن اليأس مفهوم خاطئ، لا يعبّر إطلاقا عن الواقع، لأن كل ما في الأمر هي مجرد تغيرات هرمونية لا أكثر، ولا أعتقد أن ذلك سببا كافيا للحكم على حياة المرأة باليأس”. أما عبلة 39 سنة فتقول:”أعتقد أن في الزمن الذي نعيش فيه لم تعد السيدات تؤمنّ بوجود سن اليأس، لأنهن أصبحن قادرات على تحدي الزمن والظهور بمظهر لا يوحي بحقيقة عمرهن”، والمدهش في الأمر أن هناك من السيدات من تجهل أساسا أن ما فوق عمر الأربعين يدعى بسن اليأس، معتبرات هذه الفترة عادية كغيرها من مراحل حياتهن.
فرصة للاستمتاع بحياة عائلية هادئة
يعتبر سن الأربعين فما فوق مرحلة هامة في حياة السيدات، فبعد أن تتم أغلبهن مسؤولية الإنجاب والتربية والسهر على راحة الأبناء، يأتي دور هذه المعطاءة لتنال قسطا من الراحة وتحظى باهتمام ورعاية أبنائها. في هذا السياق تؤكد لنا 25 سنة قائلة:”تعبت أمي كثيرا في تربيتنا وأتمت مهمتها على أكمل وجه بعد أن قامت بتزويج كل أبنائها، لذا فالدور الآن علينا لرعايتها، لأن الوقت قد حان لترتاح هي ويخدمها أولادها التي كانت صاحبة الفضل في وصولهم إلى ما هم عليه الآن”. أما قوسم 50 سنة فقد عبّرت عن سعادتها البالغة عندما ترى كل من أولادها وأحفادها حولها قائلة:”الفرق بيننا وبين الغرب هو القيم العائلية والوحدة الأسرية، التي يسبب فقدانها شعور الأمهات بالوحدة والكآبة التي ترافق سن اليأس، أما نحن فلا نجد صعوبة أبدا في ظل الدفء العائلي، مساندة الأهل لنا”.
أخريات فضلن خوض غمار الصناعات اليدوية
تغتنم العديد من النساء فرصة تقاعدهن عن العمل وقلة مسؤولياتهن للبحث عمّا يشغلن به أنفسهن من صناعات يدوية وأعمال حرفية كثيرة ومختلفة من خياطة وطبخ وطرز وحياكة وغيرها من الأعمال اليدوية التي أصبحت جزءا من البرنامج اليومي لهؤلاء النسوة، بغية قضاء وقت ممتع ومفيد، ولتجنب الإحساس بالفراغ والوحدة خاصة بالنسبة للنساء المتقاعدات عن العمل واللاتي اعتدن على النشاط والاحتكاك الاجتماعي.
وفي ذات الإطار، تقول فاطمة الزهراء “وجدت في حرفة التزيين بالورود ملجأ لي لقضاء وقت مفيد، خاصة أنني من هواة هذه الحرفة التي منعني عملي في السابق من تعلمها، والآن ما دمت متفرغة فقد اغتنمت الفرصة لتحقيق ذاتي من خلال هذا المجال”.
ومن جهتها، ترحب الدكتورة النفسانية نسيمة،م بالفكرة قائلة: “تلعب درجة وعي المرأة وثقافتها دورا مهما في تفهمها لإبعاد تلك المرحلة وعلمها المسبق بالتطورات النفسية والجسمية التى يمكن أن تصاحبها خلال تلك الفترة الانتقالية، وبالتالي فإن استمرار المرأة في نشاطاتها سواء في المنزل أو في العمل أو في هواياتها الخاصة أو الرياضات فذلك يزيد من شعورها بالاستقرار والثقة وأن ما زال لديها الكثير لتعطيه”.
العلم ضد كلمة اليأس
يستاء العديد من المختصين من إطلاق تسمية اليأس على مرحلة عمرية عادية من حياة المرأة. ومن بين التعاريف العلمية انقطاع العادة الشهرية لدى السيدات والتي تصاحبها بعض التغيرات.
أما عن تغيرات هذا السن فتتعلق بالهورمونات كالانخفاض الشديد في نسبة هرمون الإستروجين مع فقدان القدرة على الإنجاب بالإضافة إلى بعض العوامل النفسية مثل عدم القدرة على النوم والكآبة والقلق والتغير في المزاج.وعن الآثار النفسية التي تصاحب هذه المرحلة من العمر تقول الدكتورة النفسانية نسيمة.م “من الطبيعي أن تشعر المرأة بتغيرات نفسية نتيجة التغير في الهرمونات، أو حتى نتيجة التفكير السلبي بعدم الجدوى أو عدم القدرة على العطاء، وكل هذه مفاهيم خاطئة فعدم القدرة على الإنجاب لا يعني نهاية المشوار، بل بالعكس هنا تكون البداية للكثير من النساء اللاتي صنعن من هذه المرحلة فرصة للاستمتاع بالحياة كما يجب، دون قيود وبعدد أقل من المسؤوليات”.