وهِيَ شَرحٌ لـ ( كتاب الطَّهارة ) مِن كتاب :
[ منهج السَّالكين وتوضيح الفِقه في الدِّين ]
للشيخ ( عبد الرَّحمَن بن ناصر السَّعديّ ) رَحِمَه اللهُ تعالى.
والشَّرحُ فرَّغتُه مِن أشرطةِ الشيخ ( أبو حَمْزَة البَدْوي ) .
أهـلاً بِكُنَّ
للعلم منقول…………..
يتبع
. . . . . . .
بدأ الشيخُ كلامَه بقوله:
يقولُ عليه الصلاةُ والسَّلامُ: (( مَن يُرِد اللهُ به خيرًا يُفقِّهه في الدِّين ))
رواه البُخاريُّ ومُسلِم.
وهذا الحديثُ- أختي المُسلمة- منطُوقُه أنَّ الخيرَ حليفُ مَن تفقَّه في دِين اللهِ سُبحانه.
فمَن أراد اللهُ به خيرًا، فقَّهَه في الدِّين.
ومفهومُ هذا الحديثِ أنَّ مَن لم يُرِد اللهُ به خيرًا لا يُفقِّهه في الدِّين.
فلهذا الفِقهُ في دِين اللهِ- جلَّ وعَلا- مِن أعظم الخِصال وأعظم الصِّفاتِ
وأعظم العلوم التي ينبغي على المُسلِم أن يعتنيَ بها.
ومِن أنفع الكُتُبِ التي أُلِّفَت في هذا الزمان المُتأخِّر في التَّفَقُّه في دِين اللهِ،
هذا الكتابُ الذي نجتمِعُ عليه في هذا اليوم، بدءًا بالدرس الأول؛
وهو [ مَنْهَجُ السَّالِكِينَ وتوضِيحُ الفِقهِ في الدِّين ] ، للعلَّامة السَّعدِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى.
وهو الشيخُ عبد الرَّحمَن بن ناصر بن عبد الله السَّعديّ،
المولود سنة سَبعٍ وثلاثمائة وألفٍ للهِجرة،
والمُتوفَّى سنة سِتٍّ وسبعين وثلاثمائة وألفٍ من هِجرة النبيِّ المُصطفى
صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم.
وهذا الكِتابُ الذي ألَّفَه الشيخُ السَّعديُّ [ مَنْهَجُ السَّالِكِين ] كِتابٌ مُختَصَرٌ في الفِقه.
والعُلَماءُ ينصحون طالِبَ العِلم إذا بدأ في عِلمٍ من العلوم أن يبدأ مُتدِّرجًا،
فيَدرسُ الشيءَ المُختَصَر، فإذا انتهى منه بدأ في التَّوَسُّعِ شيئًا فشيئًا.
وهذه الطريقةُ- التي هِيَ التَّدَرُّجُ في طلب العِلم- هِيَ من الطرائق المسلوكة
عند أهل العِلم قديمًا وحديثًا. وهِيَ طريقةُ الرَّبَّانيِّين الذين يُرَبُّون الناسَ بصِغار
العِلم قبل كِباره. ومَن استعجل الشيءَ قبل أوانه، عُوقِبَ بحِرمانه.
ولهذا تَجِدُ طالِبَ العِلم إذا أخذ يقرأ المُطَوَّلات، وهو لا يَعي هذه المُطَوَّلات،
لا يَصِلُ إلى مقصوده الذي يُريدُه، وإنَّما يتأخَّرُ تأخُّرًا كثيرًا،
ورُبَّما عاد عليه الأمرُ بكراهيةِ العِلم الشَّرعِيِّ والبُعد عنه أو عدم فَهمه للمسائل،
مع أنَّه قرأ ودَرَسَ ونَظَرَ وتحرَّرَ عنده بعضُ الأشياء، ولكنَّه يُصبِحُ كالمُثَقَّف،
ليس كطالب العلِم. في الشَّريعةِ يعرفُ بعضَ المسائل ويَخفَى عليه أدِلَّتُها،
ورُبَّما يَعرفُ المسألةَ بدليلها، لكنْ لا يستطيعُ أن يقيسَ عليها مسائلَ أخرى.
السَّبَبُ في ذلك هو: الخطأ في منهجيَّةِ طلبه للعِلم الشَّرعيِّ.
وهذا الكِتابُ النَّافِعُ، سنسلُكُ فيه- إن شاء الله- مَسْلَكَ الاختصار
الذي قَصَدَه المُؤلِّفُ رَحِمَه اللهُ تعالى.
افتتحَ المُؤلِّفُ كِتابَهُ بخُطبةِ الحاجةِ؛
التي كان النبيُّ- صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم- يفتتِحُ بها كُتُبَه.
قال أهلُ العِلم: إذا كَتَبَ الإنسانُ كِتابًا أو خَطَبَ خُطبةً،
فلا بُدَّ أن يبدأ بجُملةٍ من الأمور. فمِن الأشياءِ التي يبتدِئُ بها:
1- البَسْمَلَة.
2- الحَمدُ والثَّناءُ على اللهِ سُبحانه وتعالى.
3- يذكُرُ في خُطبتِهِ وفي بدايةِ افتتاحِيَّتِهِ الشَّهادةَ بأن لا إله إلَّا الله
وأنَّ مُحمدًا رسولُ الله.
4- وكذا يُصلِّي على النبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آلهِ وسلَّم.
5- وكذلك يَختتِمُ افتتاحِيَّتَه بقوله: أمَّا بَعد.
(الحَمْدُ): يقولُ العُلماءُ في تفسيره: هو وَصْفُ المحمود بصِفاتِ الكمال،
مَحَبَّةً وتعظيمًا وإجلالاً. فإذا مَدَحتَ اللهَ- سُبحانه وتعالى- وَوَصفتَه بصِفاتِ
الكمال مع مَحبَّتِكَ وتعظيمِكَ له، فإنَّكَ تكونُ قد حَمِدتَه أعظَمَ الحَمد.
والفرقُ بين الحَمدِ والمَدْحِ أنَّ المَدْحَ لا يكونُ معه مَحَبَّةٌ ولا تعظيمٌ ولا إجلال،
لا يقترِنُ به ذلك، فأنتَ تمدَحُ مَن تُحِبُّ وقد تَمدَحُ مَن لا تُحِبُّ،
والحَمْدُ لا بُدَّ من اقترانه بالتَّعظيم.
الاستعانةُ: هِيَ طَلَبُ العَون من اللهِ جَلَّ وعلا.
الاستعاذَة: هِيَ طَلَبُ العَوْذِ واللجوءُ إلى اللهِ سُبحانه، والهروبُ من كُلِّ شيءٍ تخافُه،
إلى مَن يَعصِمُكَ منه.
والاستعاذةُ هُنا مِن شرور النَّفس معناها: الاستعاذةُ من أخلاقِها الرَّدِيَّة، وطبائِعِها،
وأهوائِها.
والاستعاذةُ من سيئاتِ الأعمال: أيْ من عواقِبِ ذلك، فالإنسانُ قد يعملُ العملَ السِّيء،
فتكونُ عاقبته الخَسارة في الدُّنيا والدَّمار والهلاك يوم القيامة.
الفِقه: هو مَعرفةُ الأحكام الشَّرعيَّة الفرعيَّة بأدِلَّتِها من الكتاب والسُّنَّة.
[ الفرعيَّة: المقصود بذلك أحكام الفِقه العَمليَّة؛ التي هِيَ الصلاة والطهارة وغير ذلك؛
لأنَّ هناك الفِقه الأكبر، الذي هو "فِقه العَقيدة" ].
الأحكامُ الشَّرعيَّة تُستَقَى وتُعرَف من أربعةِ أشياء [ وهِيَ الأدِلَّة الشَّرعيَّة ]:
مِن الكتاب (وهو القُرآن)، ومِن السُّنَّة (يعني الصحيحة)، ومِن إجماع أهل العِلم،
ومِن القِياس الصحيح (أن تُلحِقَ المسائل بَعضَها ببعضٍ بعد فَهمِكَ للأدلة الشرعية).
الأحكامُ الشرعيَّةُ الخَمْسة: الواجب – والحَرام – والمَكروه – والمَسنون – والمُباح.
1- الواجِبُ: وهو ما أُثِيبَ فاعِلُه وعُوقِبَ تارِكُه (كالصَّلاة).
والعُلماءً- رَحِمَهم اللهُ- يقولون في مِثل هذا التَّعريف إنَّه يَحتاجُ إلى بعض القيود.
والأصَحُّ أن نقولَ: ما أُثِيبَ فاعِلُه امتثالاً، وما يُذَمُّ تارِكُه أو ما يُتَوَعَّدُ تارِكُه بالعِقاب.
2- الحَرامُ: ما أُثِيبَ تارِكُه، وعُوقِبَ فاعِلُه. أو نقولُ بعِبارةٍ أوضح: ما أُثِيبَ
تارِكُه امتثالاً (يعني مَن تَرَكَ الحرامَ امتثالاً لأمر اللهِ وطاعةً لله)، وعُوقِبَ
فاعِلُه أو وُضِعَ له الحَدُّ.
3- المَكروه: ما أُثِيبَ تارِكُه ولم يُعاقَب فاعِلُه. نقولُ أيضًا: ما أُثِيبَ تارِكُه
امتثالاً أو قَصْدًا.
= الفرقُ بين المَكروه والحَرام: أنَّ الحَرامَ مَن فعلَه فهو مذموم،
وأمَّا المَكروه فإنَّه لا يترتَّبُ عليه أو على فِعلهِ إثمٌ.
4- المَسنون أو المُستَحَبُّ: هو ضِدُّ المَكروه؛ يعني نقولُ فيه: ما أُثِيبَ فاعِلُه
امتثالاً ولم يُعاقَب تارِكُه.
5- المُباح: الذي فِعْلُه وتَركُه على حَدٍّ سواء.
يقولُ العُلماءُ: العُلومُ منها ما هو واجِبٌ وجوبًا عينيًّا
(يعني: على كُلِّ مُسلِمٍ ومُسلِمةٍ أن يتعلَّمَه)،
والمُرادُ به: العاقِل، البالِغ، الذي كلَّفَه اللهُ- سُبحانه وتعالى- بالشَريعة.
العلومُ الواجِبُ عليه تعلُّمُها مِثل: مَعرفةُ ما يُصَحِّحُ به عقيدتَه،
ومَعرفةُ ما يُصَحِّحُ به عِبادتَه وتَسلَمُ به مُعاملاتُه؛ كيف يُصلِّي،
كيف يصوم، إذا كان من أصحاب المال كيف يُزكِّي،
إذا كان من أصحاب التِّجارة كيف يتعاملُ مع الناس ويبتعِدُ عن الرِّبا،
إذا أراد العُمرةَ كيف يعتمِر. كذلك يتعلَّمُ ما لا يَسَعُه جَهْلُه،
مِثل: التَّوحيد والعقيدة الصحيحة، ويَجِبُ عليه أن يعرفَ الشِّركَ؛
حتى يَحذَرَه ويبتعِدَ عنه.
وهناك مِن العلوم ما هو فَرْضُ كِفايةٍ، إذا قام به بعضُ الناس سَقَطَ عن الآخَرين،
ليس بواجِبٍ على كُلِّ الناس، لكنْ يَجِبُ أن يُوجَدَ في الأُمَّةِ مَن يتعلَّمُ هذه العلوم؛
كحِفظ القُرآن، وحِفظ الأحاديثِ، وتعلُّم الأصول الشرعيَّة من الفِقه والنَّحو واللغةِ
والتصريف والإجماع والخِلاف، وهكذا سائر علوم الدِّين. وحتى بعض العلوم
الدُّنيويَّة التي يَحتاجُها المُسلِمون؛ كعِلم الطِّبِّ والحِساب، فهذا فرضُ كِفايةٍ
على المُسلمين.
أمَّا التَّوسُّعُ في العلوم (فوق فرض الكِفاية)، فهذا مُستَحَبٌّ لِمَن وُجِدَ عنده الأهلِيَّةُ
في ذلك، ويُسَمِّيه العُلماءُ بالنَّفْل.
~ كِتابُ الطَّهارَة ~
كِتابُ الطَّهارة يَشتمِلُ على جُملةٍ من الأبواب الشَّرعيَّةِ،
يتكلَّمُ فيه العُلماءُ عن أحكام المِياه؛ لأنَّها هِيَ التي يتطهَّرُ بها الإنسانُ.
ويتكلَّمُ فيه العُلماءُ عن أحكام الآنية (الأواني)، وأحكام النَّجاسات،
وأحكام الوضوء، وأحكام الاغتسال. ويتكلَّمُ فيه العُلماءُ عن التَّيَمُّم،
وأحكام الحَيْض، وأحكام الاستحاضة.
يقولُ العُلَماءُ: الطَّهارةُ هِيَ ارتفاعُ الحَدّثِ وزوالُ الخَبَثِ.
فإذا أحدَثَ الإنسانُ وتوضَّأ، يُسمَّى مُتطهِّرًا.
إذا أجنَبَ الإنسانُ (كان جُنُبًا) ثُمَّ اغتسل، يُقالُ تَطَهَّرَ (يعني من الجَنابة).
فالحَدَثُ إذا ارتفع (ويَرتفِعُ بالوضوءِ أو الاغتسال)،
يكونُ صاحِبُه حِينئذٍ مُتطهِّرًا الطَّهارةَ الشَّرعِيَّةَ.
وزَوالُ الخَبَثِ: يعني زَوالُ النَّجاسةِ.
إذا زالت النَّجاسةُ يُصبِحُ المكانُ طَهورًا،
كما قال النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (( طُهورُ إناءِ أحدِكم إذا وَلَغَ- يعني
شَرِبَ- فيه الكَلْبُ، أن يَغسِلَه سَبْعَ مَرَّاتٍ، أولاهُنَّ بالتُّراب )) رواه مُسلم.
إذًا، الطَّهارةُ في الشَّرع تُطلَقُ على ارتفاع الحَدَثِ، وتُطلَقُ على زوال النَّجاسةِ.
كذلك تُطلَقُ على ما هو في معنى ارتفاع الحَدَثِ، وما هو في معنى إزالةِ النَّجاسةِ؛
مِثل: الذي يُجَدِّدُ الوضوءَ، كذلك المَرأةُ المُستحاضةُ التي يَجري عندها الدَّمُ دائِمًا
يقولُ العُلَماءُ: تتوضَّأ لِكُلِّ صلاةٍ، حتى لو توضَّات ما يزالُ الدَّمُ موجودًا،
يقولُ العُلَماءُ: لها حُكمُ الطَّاهِراتِ، فتتوضَّأ وتُسمَّى: امرأةً طَهُورًا،
لها حُكمُ الطَّاهِراتِ، حتى وإنْ كان النَّجَسُ موجودًا في مَحَلِّهِ.
فإذًا، الطَّهارةُ في الشَّرع تُطلَقُ على أربعةِ أشياء:
– الأمرُ الأوَّلُ: ارتفاعُ الحَدَثِ.
– الأمرُ الثَّاني: زوالُ الخَبَثِ.
– الأمرُ الثَّالِثُ: ما هو في معنى ارتفاع الحَدَثِ (كتجديد الوضوءِ).
– الأمرُ الرَّابِعُ: ما هو في معنى زوال النَّجاسةِ،
(ومِثالُهُ: المَرأةُ المُستحاضةُ التي تتطهَّرُ لتَعبُدَ اللهَ جَلَّ وعَلا).