2016.12.04
لم يتخل الجزائريون عن العادات والطقوس التي ربطوها بيوم العاشر من محرم، حيث ما تزال عاشوراء شعيرة مميزة تكتسي مكانة خاصة في المجتمع، وإن كان الدين فصل في العديد من الطقوس التي أدمنها الكثير منهم، إلا أن بعضهم لم يتخلوا عن إخراج الزكاة وتقصير الشعر وفتح الأبواب المغلقة في هذا اليوم.
تعودت العائلات الجزائرية على إحياء المناسبات الدينية بممارسة بعض الطقوس والتقاليد المتوارثة عن الأجداد، ولعل عاشوراء من بين أهمها، فبين التمسك بالصيام والاقتداء بسنة المصطفى، والعمل ببعض الطقوس البالية والتشاؤم من بعض الممارسات، ووسط جهل الشباب بماهية المناسبة، يحيي الجزائريون هذه الذكرى المرتبطة بنجاة النبي موسى من فرعون، كما تنتظر الطائفة الشيعية عاشوراء بشوق لممارسة طقوسها الخاصة بالمناسبة بعيدا عن الأنظار.
الشخشوخة، الرشتة والبركوكس أطباق عاشوراء دون منازع
اعتاد الجزائريون على أنواع معينة من الأطعمة التقليدية في المناسبات الدينية كالكسكس، الرشتة والشخشوخة وغيرها، وخلال جولتنا ببعض أسواق العاصمة عشية الاحتفال بعاشوراء لاحظنا الاكتظاظ الكبير الذي تعرفه محلات بيع المعجنات بالزبائن المتعودين على اقتنائها في مثل هذه المناسبات، وعند اقترابنا من أحد البائعين بسوق باش جراح أخبرنا أن البركوكس والشخشوخة من أكثر المعجنات طلبا خلال هذه الأيام، مضيفا أن العدد الكبير للزبائن دفع ببعضهم للطلب مسبقا ليحصلوا على أحسن النوعيات.
كما أن لكل منطقة من الوطن تقاليدها في المأكولات الخاصة بعاشوراء، فمنطقة الشرق الجزائري تتميز بتحضيرها لكل من البربوشة والشخشوخة باللحوم البيضاء، إضافة إلى التريدة والفتات، أما منطقة الجنوب فتتميز بالبركوكس بالقديد، الكسكس إضافة إلى المكسرات وأنواع الحلويات كطبق الروينة الذي يحضّر للأطفال، أما العاصميات فهن متمسكات بالرشتة والشخشوخة. وأجمعت أغلب النساء اللاتي حاورناهن على أن تمسكهن بهذه العادات في هذه المناسبة لا يتعدى مجرد تمسكهن بالتقاليد المتوارثة في الأسرة لا أكثر، فهن يجزمن أن هدفهن بعيد كل البعد عن التشيع أو الشعوذة، وهو ما أكدته نجية التي قالت : “حاشى لله أن تكون نيتي العمل بطقوس أهل الشيعة وأعوذ بالله من الشرك، فكل ما نقوم به خلال هذا اليوم على غرار الصوم ما هو إلا تقاليد ورثناها عن أمهاتنا”.
الجزائريون يصرون على إخراج “العشور” في هذا اليوم
لطالما ارتبط يوم عاشوراء عند الجزائريين بالزكاة والنصاب، فقد تحوّل عاشوراء إلى يوم عظيم في الجزائر، بعد ما ربطناه بفرض إسلامي اجتماعي وهو الزكاة، إلى درجة أن الصدقات العادية صار الجزائريون يسمونها بالعامية “العواشر”، ورغم أن إخراج الزكاة المفروضة ليست مرتبطة مثل فريضة الصيام برمضان، وفريضة الحج بذي الحجة، وإنما بمرور حول كامل على مبلغ معين من المال، ولكن يصرّ الكثير من المواطنين على إخراج زكاتهم السنوية في هذا اليوم الذي يعتبرونه مباركا تضاعف فيه الأموال، خاصة إذا تعلق الأمر بآبائنا وأجدادنا، حيث نجد أن نسبة كبيرة منهم يقدمون على ذلك بصفة دورية على غرار عمي يحيى الذي قال “عندما يقترب موعد عاشوراء أبدأ في حصر أموالي حتى أتمكن من إخراج زكاتي في وقتها المحدد”، كما أنه لم يتقبل فكرة عدم التزامه بيوم عاشوراء من أجل إخراج زكاته، رافضا بذلك كل الفتاوى التي تؤكد ذلك.
مواطنون يرفعون شعار “لا تبتغوا الخيرات في عاشوراء فهو يوم نحس”
ربط الكثير من الجزائريين موعد عاشوراء ببعض المعتقدات التي تصب كلها في فكرة التشاؤم أو التفاؤل والتبرّك ببعض الأمور، هو ما توصّلنا إليه من خلال جولتنا بشوارع العاصمة، حيث لاحظنا أن يوم عاشوراء يعتبر بالنسبة للبعض فأل خير، بينما يتجنب البعض الآخر القيام بالعديد من الأعمال كونهم يتشاءمون منه، فهذه الآنسة حنان.ب طالبة جامعية تعتبر يوم عاشوراء نذير شؤم، حيث تتجنب القيام فيه بالعديد من الأعمال، قائلة في هذا السياق “أذكر أني فصلت من العمل يوم عاشوراء، كما أذكر أن صديقة لي تمت خطبتها يوم عاشوراء، ولم تتم إذ لم تمض إلا أيام قلائل حتى فسخت الخطبة، لذا أنا شخصيا أتجنب القيام بالعديد من الأعمال يوم عاشوراء وأؤجلها إلى ما بعد ذلك اليوم”. ومن بين الأعمال التي يفضل عدم القيام بها يوم عاشوراء لأنها فال سيئ، تقول الخالة زهرة تجنب الخياطة، أي تجنب إمساك الإبرة والقيام بأعمال ترقيع الملابس وحتى حمل القلم والكتابة، وتفسر ذلك بأن من تخيط يوم عاشوراء تصاب بارتعاش في اليدين، وتضيف “كما يتم تجنب القيام بأعمال الغسل لأن يوم عاشوراء هو بمثابة العيد، لذا ينبغي على ربّات البيوت الانتهاء من كل الأشغال المنزلية والتفرغ يوم عاشوراء للصيام وقراءة القرآن الكريم، لأن المواسم تعرف بتجنب استعمال الصابون وغسل الملابس خاصة، وتؤجل إلى ما بعد المناسبة”.
وآخرون يتبرّكون بهذا اليوم
وتعتبر أخريات يوم عاشوراء يوما مباركا يستحب فيه القيام بالعديد من الأعمال تبركا باليوم، فهذه السيدة “فوزية.ز” ربة بيت تقول “يوم عاشوراء نقوم بفتح كل الأبواب المغلقة كأبواب الخزائن والغرف والنوافذ ونردد عبارة “نفتح كل ما هو مغلق حتى يدخل إلينا الرزق” ويدخل في سياق ذلك وضع الكحل اعتقادا أن من قام بذلك لن تمرض عيناه أبدا، وكذا وضع الحناء والاغتسال في هذا اليوم بالذات، كما نجد كذلك القيام بقص الشعر تبركا بهذا اليوم واعتقادا بأن ذلك يزيد من طوله وجماله، من منطلق أن المال الذي يزكى منه يزيد ويبارك فيه، حتى النباتات تقلّم في هذا اليوم حتى تحظى ببركاته العظيمة.
الإسلام يرفض كل الطقوس عدا الصيام
اعتاد الجزائريون صيام أيام التاسع والعاشر من محرم اقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي نصحنا بذلك احتفالا بنصرة الله لموسى على عدوه فرعون الذي يتزامن مع هذا اليوم، كما يصادف هذا اليوم كذلك نجاة النبي نوح ومن معه من الغرق.
ولما كانت سنة اليهود تقضي بصيام العاشر من هذا الشهر، حثّنا النبي الكريم بمخالفتهم بجمع يومي التاسع والعاشر، وبهذا الخصوص تقول أستاذة العلوم الشرعية حسيبة مقدم:”إن الإسلام لم يشرّع أكثر من الصيام لإحياء هذا اليوم”، معتبرة أي تصرف آخر وأي ممارسة خاصة في هذه المناسبة تنتسب إلى خانة البدع و الشرك. كما أكدت أن موافقة هذا اليوم لواقعة وفاة الحسين ابن علي في كربلاء أدخل العديد من الممارسات الخاطئة التي تنتسب إلى طائفة الشيعة من حزن وتعذيب للذات وغيرها من البدع التي لا توافق الدين والفطرة. كما أشارت في حديثها إلى أن “غايتنا الوحيدة من خلال إحياء هذه المناسبة هي الانصياع لأوامر رسولنا الذي أبى أن يحتفل بنو إسرائيل بذكرى نجاة نبي الله موسى لوحدهم، مع أننا أحق بموسى من قومه الذين خذلوه، لهذا السبب فقط شرع لنا الصيام في هذه المناسبة و لا غير”.
كما اعتبرت الأستاذة حسيبة أن حرص البعض على إسالة الدم بذبح الدجاج أو الخرفان أمر محرم لدخوله في خانة الشرك والذبح لغير الله، أما عن تلك العادات البالية كقص الشعر، والتطير فذلك ما قالت عنه نفس المتحدثة إنه مخالف للفطرة السوية.
… والشيعة يحتفلون بعيداعن الأنظار
يتخذ الشيعة في الجزائر حسب شهادة الكثير من المواطنين المقربين منهم، من القبور ملاذا لممارسة طقوسهم المختلفة، تعويضا لحرمانهم من الحج إلى كربلاء المقدسة في معتقداتهم، والتي يعتبرونها بقدسية بيت الله الحرام، فهم يرتبطون بكل ما له صلة بآل البيت، والغريب في ممارسات هذه الطائفة أنهم يتمسكون بأي أثر ولو كان ضعيفا، فقد ذكر أنهم يزورون منطقة بولاية سطيف يعتقدون أن بها بركة آثار أقدام فرس علي ابن أبي طالب، علما أنه لا يوجد في الأثر ما يدل أن عليا زار المغرب العربي أصلا، فيما يشد آخرون الرحال إلى مدينة بسكرة أين يوجد ضريح خالد ابن سنان هذا الولي الذي يزوره الشيعة للاعتقاد السائد أن شجرة نسبه تصله بأهل البيت.
ولا تخلو العاصمة من مثل هذه الممارسات، ففي سيدي الكبير بلدية رايس حميدو، هذه المنطقة الواقعة في أعالي العاصمة تشهد سنويا طقوسا شيعية إحياء لهذا اليوم، فحسب شهادة الجيران وأهل الحي تزور جماعة متكونة من ما يقارب أربعين شخصا ليلة العاشر من محرم إحدى الفيلات التي حسب المعتقدات السائدة تحوي ضريح سيدي الكبير الذي سميت المنطقة باسمه، والذي يروى أنه من أحفاد الحسن ابن علي رضي الله عنه. وحسب ذات الشهود، فإن الزوار لهذا المنزل يقضون الليلة بأكملها في إحياء ذكرى عاشوراء الأليمة في تاريخهم بعيدا عن الأنظار يمارسون اللطم وتعذيب الذات.
فيروز دباري/ إيمان مقدم
“القشقشة” عادة تنفرد بها قسنطينة عشية الاحتفالات بذكرى عاشوراء
تتشارك مقاصد سكان قسنطينة خلال الأيام الأولى من شهر محرم، والتي تتجه أغلبيتها نجو الأسواق الشعبية بالمدينة القديمة التي تتفنن في عرضها لمختلف أنواع المكسرات والحلوى والتمور إلى جانب التين المجفف والتي يتم اقتناؤها كإشارة ودلالة للاحتفال بيوم عاشوراء. عادة” القشقشة” تأصّلت في سكان قسنطينة منذ القدم، حيث تعمد ربّات البيوت رفقة أزواجهن على شراء كميات من اللوز والجوز شرط أن تكون داخل قشرتها، وهو الأمر نفسه بالنسبة للفول السوداني وكميات مضافة من التمر والتين المجفف.
وقد تطورت مؤخرا إلى أنواع أخرى من المكسرات على غرار الفستق والبندق، والذي يكون حسب القدرة الشرائية لكل عائلة، إلى جانب الحلوى وبمختلف أنواعها تتصدرها الشكولاطة.
وبإمكان المتجول في شوارع والأحياء العتيقة لمدينة قسنطينة ملاحظة تلك الحركة غير العادية أمام المحلات التجارية وعلى الأرصفة التي يتخذها الباعة المتجولون فضاء لعرض منتجاتهم وما ينجر عنه من ازدحام بفعل توافد المواطنين عليها.
كما تشتهر قسنطينة بـ “القشقشة” وإن عرفت أسعارها ارتفاعا مقارنة بالسنة الماضية، إلا أن ذلك لم يمنع العائلات من اقتنائها، حيث أصبح غياب هذه العادة عن المنزل يعد تفريطا في أهم مظهر للاحتفال بعيد عاشوراء. بالمقابل، فإن هذه العادة لا نجدها في الولايات المجاورة وقد انفردت بها عاصمة الشرق دون سواها.