الطهارة قسمان : طهارة حسية ،
وطهارة معنوية ، والنجاسة قسمان : نجاسة حسية ، ونجاسة معنوية .
فالطهارة الحسية : هي
الطهارة من الحدث والخبث
(النجاسة) .
والنجاسة الحسية : هي الأعيان
التي حكم الشرع بنجاستها
وقذارتها ، ومنها ما نجاسته
مغلظة،
وهو الكلب ، ومنها ما نجاسته
مخففة : كبول الصبي الرضيع ،
ومنها ما نجاسته متوسطة ، كنجاسة
البول والدم والميتة .
والكلام عن الطهارة والنجاسة
الحقيقية هو محور اهتمام الفقهاء
في كتبهم .
وأما الطهارة والنجاسة المعنوية
فليست محل اهتمام أهل الفقه ،
ولذلك لا يذكرونها إلا نادرا على
سبيل الاستطراد .
والطهارة المعنوية : هي طهارة
المؤمن من الشرك والكفر ،
والنجاسة المعنوية : هي نجاسة
الكفر والفسوق والعصيان .
ومن النصوص الشرعية الدالة على الطهارة والنجاسة المعنوية :
قوله تعالى :
(وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ
عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ )
آل عمران/ 42.
قال ابن جرير الطبري: "
وَقَوْلُهُ : ( وَطَهَّرَكِ ) يَعْنِي :
طَهَّرَ دِينَكِ مِنَ الرِّيَبِ وَالأَدْنَاسِ
الَّتِي فِي أَدْيَانِ نِسَاءِ بَنِي آدَمَ ".
انتهى " تفسير الطبري"
[5 /392] .
وقال تعالى :
( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ
صَلَاتَكَ
سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
[التوبة / 103]
قال الطبري: " يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
يَا مُحَمَّدُ خُذْ مِنْ أَمْوَالِ هَؤُلاَءِ
الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ فَتَابُوا
مِنْهَا صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ مِنْ
دَنَسِ ذُنُوبِهِمْ ( وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا )
تُنَمِيهِمْ وَتَرْفَعُهُمْ عَنْ خَسِيسِ
مَنَازِلِ أَهْلِ النِّفَاقِ ، إِلَى مَنَازِلِ
أَهْلِ الإِخْلاَصِ ". انتهى "
تفسير الطبري"
[11 /659] .
وقال تعالى لنساء
النبي صلى الله عليه وسلم :
( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ، وَلَا تَبَرَّجْنَ
تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ، وَأَقِمْنَ
الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ ، وَأَطِعْنَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ،
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )
[الأحزاب / 33]
والمراد بها الطهارة المعنوية .
وقال عن قوم لوط :
( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ،
إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ )
[النمل / 56]
أي عن المعاصي والقبائح .
وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ،
فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا )
[التوبة / 28]
قال ابن القيم : "
وقد وسم الله سبحانه الشرك ،
والزنا ، واللواطة ، بالنجاسة
والخبث في كتابه دون سائر
الذنوب
وإن كانت مشتملة على ذلك ،
لكن الذي وقع في
القرآن قوله تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ،
وقوله تعالى في حق اللوطية :
( وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا
وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ
تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ
سَوْءٍ فَاسِقِينَ ) .
وقالت اللوطية :
(أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ
أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) ،
فأقروا مع شركهم وكفرهم
أنهم هم الأخباث الأنجاس ، وأن
لوطا وآله مطهرون من ذلك
باجتنابهم له .
قال تعالى في حق الزناة :
( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات) .
فأما نجاسة الشرك
فهي نوعان :
نجاسة مغلظة ،
ونجاسة مخففة .
فالمغلظة : الشرك الأكبر
الذي لا يغفره الله عز وجل .
والمخففة : الشرك الأصغر ،
كيسير الرياء ،
والتصنع للمخلوق ، والحلف به ،
وخوفه ، ورجائه …
والمقصود : أن النجاسة تارة
تكون محسوسة ظاهرة ،
وتارة تكون معنوية باطنة ".
انتهى " إغاثة اللهفان من
مصائد الشيطان "
[1 /59]
وقال الشيخ ابن عثيمين : "
الطهارة معناها :
النظافة والنزاهة ، وهي في
الشرع على نوعين : طهارة
معنوية ، وطهارة حسية.
أما الطهارة المعنوية :
فهي طهارة القلوب من
الشرك والبدع في عبادة الله ،
ومن الغل ، والحقد ،
والحسد ، والبغضاء ،
والكراهة ، وما أشبه ذلك
في معاملة عباد الله الذين
لا يستحقون هذا ….
ولهذا وصف الله عز وجل
المشركين بأنهم نجس ،
فقال تعالى :
( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ )،
ونفى النبي
صلى الله عليه وسلم
النجاسة عن المؤمن ،
فقال صلى الله عليه وسلم :
(إن المؤمن لا ينجس) ،
وهذا هو الذي ينبغي للمؤمن
أن يعتني به عناية كبيرة
ليطهر قلبه منه ". انتهى "
فقه العبادات "
صـ 97 .
وقال الشيخ صالح الفوزان:
" الطهارة المعنوية :
هي الطهارة من الشرك ،
والطهارة من البدع ،
والطهارة من الذنوب ،
قال تعالى :
( إنهم أناس يتطهرون )
فالطهارة هنا معنوية وهي
النزاهة عن المعاصي
والذنوب .
والشرك نجاسة ، قال تعالى
: ( إنما المشركون نجس )
نجاسة معنوية ، والتوحيد
طهارة معنوية "
انتهى من الشرح
المختصر على زاد
المستقنع (1/52).
والله أعلم .
جزاك الله خير عزيزتي