بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
س: هل هناك من يدخل الجنة بغير حساب؟
ج : نعم، أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجلان ، والنبي وليس معه أحد حتى قال في آخره إنه: أبلغ أنه يدخل الجنة من أمته سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب فسأله الصحابة عنهم فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون .
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 68)
والمقصود من هذا : أن المؤمن الذي استقام على أمر الله وترك محارم الله ومات على الاستقامة فإنه يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومنهم هؤلاء الذين أخبر عنهم صلى الله عليه وسلم " لا يسترقون " يعني: لا يطلبون من الناس أن يرقوهم، يعني : لا يطلبون الرقية، أما كونهم يرقون غيرهم فلا بأس؛ لأنه محسن، الراقي محسن إذا رقى غيره، ودعا له بالعافية والشفاء هذا محسن. في الحديث الصحيح: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه .
أما الاسترقاء فهو طلب الرقية، وهو أن يقول : يا فلان اقرأ علي. ترك هذا أفضل، إلا من حاجة، إذا كان هناك حاجة فلا بأس أن يطلب الرقية، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : استرقي من كذا فأمرها بالاسترقاء ، كما أمر أسماء بنت عميس أن تسترقي لأولاد جعفر لما أصابتهم العين، قال عليه الصلاة والسلام لا رقية إلا من عين أو حمة فالاسترقاء عند الحاجة لا بأس به،
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 69)
لكن تركه أفضل إذا تيسر علاج آخر، وهكذا الكي تركه أفضل إذا تيسر علاج آخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : الشفاء في ثلاث: كية نار، أو شربة عسل، أو شرطة محجم، وما أحب أن أكتوي
وفي اللفظ الآخر قال: وأنا أنهى أمتي عن الكي . فدل ذلك على أن الكي ينبغي أن يكون هو آخر الطب عند الحاجة إليه، فإذا تيسر أن يكتفى بغيره من الأدوية فهو أولى، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كوى بعض أصحابه عليه الصلاة والسلام، فإذا دعت الحاجة إلى الكي فلا كراهة، وإن استغنى عنه بدواء آخر مثل شربة عسل أو شرطة محجم، يعني الحجامة أو قراءة أو دواء آخر، كان أفضل من الكي، فالمقصود أن قوله صلى الله عليه وسلم : لا يسترقون ولا يكتوون لا يدل على التحريم وإنما يدل على أن هذا هو الأفضل، عدم الاسترقاء يعني عدم طلب الرقية وعدم الكي، هذا هو الأفضل، ومتى دعت الحاجة إلى الاسترقاء أو الكي فلا حرج ولا كراهة في ذلك
" ولا يتطيرون " : التطير هو التشاؤم بالمرئيات أو المسموعات، والتطير الشرك من عمل الجاهلية، فهؤلاء السبعون يتركون ما حرم الله عليهم من الطيرة وما كره لهم من الاسترقاء والكي عند عدم الحاجة
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 70)
إليه، وعلى ربهم يتوكلون، يتركون ذلك ثقة بالله واعتمادا عليه وطلبا لمرضاته، والمعنى أنهم استقاموا على طاعة الله، وتركوا ما حرم الله، وتركوا بعض ما أباح الله، إذا كان غيره أفضل منه، كالاسترقاء والكي يرجون ثواب الله ويخافون عقابه، ويتقربون إليه بما هو أحب إليه سبحانه وتعالى عن توكل وعن ثقة به، واعتماد عليه سبحانه وتعالى.
وجاء في الرواية الأخرى ، وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل وهذه الحثيات لا يعلم مقدارها إلا الله سبحانه وتعالى، والجامع في هذا أن كل مؤمن استقام على أمر الله وعلى ترك محارم الله ووقف عند حدود الله هو داخل في السبعين، داخل في حكمهم بأنه يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 71)
س: هذا سائل يقول: سماحة الشيخ ورد حديث يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يدخل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الجنة سبعون ألفا من غير حساب ولا عذاب، ولما سأل الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم من هم، وما هي صفاتهم، خرج عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما جرى بينهم وأخبر صلى الله عليه وسلم بأنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، نرجو من سماحتكم – كما يقول السائل – أن تفسروا لنا هذه الصفات، لعلنا نتمسك بها
ج : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدخل من أمته سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب، وفي رواية: مع كل ألف سبعون ألفا ، وسئل عليه الصلاة والسلام عن صفاتهم قال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون يعني: هم الذين استقاموا على دين الله من أهل التقوى والإيمان، وعبدوا الله وحده، وأدوا فرائضه
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 72)
وتركوا محارمه؛ واجتهدوا في أنواع الخير؛ حتى تركوا بعض ما يستحب تركه كالاسترقاء والكي وهذا من كمال إيمانهم، لا يسترقون يعني لا يطلبون من يرقيهم، ولا يكتوون؛ لأن الكي تركه أفضل؛ إلا عند الحاجة؛ والاسترقاء تركه أفضل، إلا عند الحاجة هذا من كمال إيمانهم، وإذا احتاج الإنسان للاسترقاء لا بأس، يسترقي كما أمر النبي عائشة أن تسترقي، وأمر أم أولاد جعفر بن أبي طالب أن تسترقي لأولاده، لما أصابتهم العين، فدل على أنه لا بأس بالاسترقاء عند الحاجة، ولكن تركه أفضل إذا تيسر دواء آخر واستغنى عنه، وهكذا الكي إذا تيسر دواء يقوم مقامه فهو أفضل، وإن دعت الحاجة إلى الكي فلا بأس؛ قد كوى الصحابة كما كوى خباب بن الأرت وغيره، وقد كوى النبي بعض أصحابه للحاجة، هذا من الكمال ولا يخرجهم عن السبعين إذا استرقى أو كوى، لكن هذه من أعمالهم الحسنة؛ ترك الكي إذا استغنى عنه؛ ترك الاسترقاء إذا استغنى عنه؛ وإلا فالسبعون ألفا هم أهل الاستقامة. أهل الخير والاستقامة في طاعة الله، وترك معصيته والمحافظون على الخير.
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 73)
س: السائل / أمجد يستفسر عن معنى الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة : ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه عن أولئك الناس، فقال: هم أولئك الذين لا يرقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون .
ج : هذا جاء في حديث السبعين، النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه أنه عرضت عليه أمته، وكان فيهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وخاض الناس في أولئك من هم؟ لما حدث بهذا الحديث، وقام عليه الصلاة والسلام، خاضوا فقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام، وقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني من الصغر ولم يكفروا، وخاضوا في غير هذا، ثم خرج عليهم صلى الله عليه وسلم فسألهم عما يخوضون فيه فأخبروه، فقال لهم: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، .
هذه من صفاتهم، مع تقواهم لله، وإيمانهم بالله، واستقامتهم على دينه، هم مع هذا لا يسترقون، يعني لا يسألون الناس أن يرقوهم، ولا يتطيرون.
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 74)
الطيرة : التشاؤم بالمرئيات والمسموعات، هذه الطيرة ما أمضاك أو ردك بسبب التشاؤم.
ولا يكتوون: يعني إذا مرضوا لا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون. هذه من صفاتهم العظيمة، ولكن يجوز الكي، الرسول صلى الله عليه وسلم رخص بالكي، ويجوز الاسترقاء ، رخص بالاسترقاء أيضا لعائشة وأم أولاد جعفر، لا حرج في الاسترقاء، كونه يطلب من يرقيه لا حرج، لكن تركه أفضل إذا تيسر دواء آخر غير الاسترقاء أفضل، وهكذا الكي لا بأس به عند الحاجة إليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا . (الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 75)
وقد رقى النبي بعض أصحابه، ورقي عليه الصلاة والسلام، رقته عائشة رضي الله عنها لما مرض، والصحابة رقى بعضهم بعضا ، لا بأس بالرقية.
أما الاسترقاء كونه يقول: اقرأ علي يا فلان، هكذا تركه أفضل إلا عند الحاجة، إذا احتاج للاسترقاء فلا حرج؛ لقوله لعائشة : " استرقي "، ولقوله لأم أولاد جعفر : " استرقي " ، فلا حرج في ذلك. أما الاسترقاء فتركه أفضل؛ لأنه سؤال للناس، وتركه أفضل، فإن دعت الحاجة إليه كالكي، إذا دعت الحاجة إليه لا بأس، لا بأس أن يقول: يا فلان اقرأ علي جزاك الله خيرا، أو يذهب إلى الراقي يرقي عليه لا بأس، أو يكوي عند الحاجة إذا ظن أن الكي مفيد في هذا الشيء. فلا بأس.
س: يسأل السائل ويقول : من هم الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟ هل الذين هم لا يرقون ولا يسترقون يدخلون الجنة؟ أرجو التوضيح في ذلك مأجورين .
ج : من استقام على دينه، وأدى ما فرض الله عليه، وترك ما حرم الله عليه، دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومنهم السبعون ألفا الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون.
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 76)
تركوا الطيرة لأنها محرمة، وتركوا الكي والاسترقاء استحبابا ؛ لأن الرسول ذكر أنها من صفات السبعين ألفا ، فإذا ترك الكي واستعمل دواء آخر فلا بأس. النبي عليه الصلاة والسلام قال: الشفاء في ثلاث: كية نار، وشرطة محجم، وشربة عسل، وما أحب أن أكتوي وقد كوى بعض أصحابه، فإذا ترك الكي فهذا أفضل، إذا تيسر دواء آخر وإلا فلا بأس بالكي، ولا يمنعه ذلك من كونه من السبعين؛ لأن السبعين ألفا هم الذين استقاموا على دين الله، وتركوا محارم الله، وأدوا ما أوجب الله، ومن صفاتهم الطيبة: عدم الاسترقاء، ولكن الاسترقاء لا يمنع كونه من السبعين، والاسترقاء: طلب الرقية، وإذا دعت الحاجة إلى هذا فلا بأس، النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تسترقي، وأمر أم أولاد جعفر أن تسترقي لأولادها، فلا حرج في ذلك.
وإذا دعت الحاجة إلى الكي فلا بأس أن يكتوي، كما قال صلى الله عليه وسلم:
الشفاء في ثلاث: كية نار وشرطة محجم، وشربة عسل . يدل على أن الكي لا بأس به، لكن تركه أفضل، إذا تيسر غيره
اللهم اجعلنا من الذين يدخلون الفردوس الأعلى بغير حساب و لا سابقة عذاب
اللهم آميين آمين
فتاوى نورٌ على الدرب العلامة ابن باز رحمه الله