الحمد لله الذي جعل لنا في
الصلاة راحة وهيأ لنا من أمرنا رشدا، وصلى الله على من
قال { أرحنا بالصلاة يا بلال }
فما أن تتشبع النفوس بضغوط
الحياة وتوشك أن تنفجر حتى
تتنفس في الصلاة نسيم الراحة
وتزفر نكد الحياة مطمئنة سعيدة،
بيد أن صلاة هذا شأنها لابد أن
تتوفر لها أسباب الخشوع.
●
●
[فضل الخشوع]
إن الله سبحانه قد امتدح
الخاشعين في مواضع كثيرة
من كتابه فقال:
( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ )
[المؤمنون:2،1]،
وقال:
( وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ )
[البقرة:45]،
وقال:
( خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً )
[آل عمران:199]،
وقال:
(وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) [الأنبياء:90]، وقال:
(وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) [الإسراء:109].
وامتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم الخشوع وبين فضل
البكاء من خشية الله فقال:
{ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل
إلا ظله… وذكر منهم: ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه }
[متفق عليه].
أصل الخشوع كما قال
ابن رجب: "لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره
وحرقته، فإذا خشع القلب
تبعه خشوع جميع الجوارح
والأعضاء لأنها تابعة له".
والخشوع يحصل بمعرفة
الله سبحانه بأسمائه وصفاته.
والخشوع يتأتى للقلب
غالبا إذا بذل العبد أسبابه
، كما أن القلب يقسو –
يغفل إذا تركت أسباب الخشوع.
ومن أقوى أسباب الخشوع:
الوقوف بين يدي رب العباد،
ولكن ليس كل وقوف يزيد في
الخشوع، إنما الوقوف الذي
يزيد في الخشوع ما وافق،
عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
● ●
والخشوع يزيد وينقص حسب الأخذ بالأسباب الجالبة له.
●
●
[وإليك هذه الأسباب با النفاصيل]
قبل الصلاة
إننا أختي في الله قد اعتدنا على الصلاة، لذا أصبحنا إذا سمعنا الأذان بادرنا وتوضأنا ووقفنا ثم صلينا، ونحن لا تنفك أذهاننا تفكر في حياتنا ومشكلاتنا، ويفوتنا بذلك الخير الكثير،
[فإذا ما أردت أن يتحقق لك الخشوع فافعلي ا لآتي]
إذا سمعت المؤذن فقو لي كما يقول غير أنك إذا قال: حي على الصلاة،
حي على الفلاح فقولي: (لا حول ولا قوة إلا بالله).
لقوله صلى الله عليه وسلم : { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي إنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة – إنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله – فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة }
[أخرجه مسلم وابن خزيمة واللفظ له].
ثم اسألي الله من فضله واجتهدي في الدعاء، فإن الدعاء يجاب عند الأذان أو بين الأذان والإقامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد }
[رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].
.…
</b></i>
ثم سارعي إلى الوضوء عملا بقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ )
واستحضري فضل الوضوء، فإن رسول الله صلى الله وعليه وسلم قد
قال: { من توضأ فأحسن الوضوء وصلى غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى }
[رواه أحمد وابن خزيمة].
وإحسانه يكون بالوضوء كما كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد
قال صلى الله عليه وسلم: { من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه } [رواه مسلم وابن خزيمة واللفظ له].
قد تقولين: كيف أستطيع أن أتوضأ وأصلي دون أن أحدث نفسي ؟!!
فأقول: إذا أردت الوضوء فانشغلي في ذكر ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
عند الوضوء وهو قول: (بسم الله)
فإذا شرعت في الوضوء فتفكري!!
فلي كل عضو تغسلينه ما اكتسب من الذنوب!!
فإذا فعلت ذلك استحضري أن الوضوء يكفر الذنوب، وأن الخطايا تخرج مع الوضوء.
فإذا غسلت وجهك فتذكري أن كل خطيئة نظرت إليها عيناك خرجت مع الماء.
وإذا غسلت يديك فاستحضري أن كل خطيئة بطشتها يداك خرجت مع الماء.
وإذا غسلت رجليك فاستحضري أن كل خطيئة مشتها رجلاك خرجت مع الماء.
وبهذا تخرجين من الوضوء مغفورة الذنوب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
….
</b></i>
راجعها فضيلة الشيخ العلامة
عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين ( حفظه الله )
لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه )1 وإذا نسي أن يسمي فلا شيء عليه .
* ثم يستنشق ، أي يجذب الماء بنَفَسٍ من أنفه ، ثم يستنثر ، أي يخرجه من أنفه
[ أنظر صورة 2] .
لقوله صلى الله عليه وسلم ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) 2
....
</B></I>
إلى ما انحدر من اللحيين والذقنين .
[ أنظر صورة 3 ]
ومن الأذن إلى الأذن عرضاً [ أنظر صورة 3 ].
* والشعر الذي في الوجه إن كان خفيفاً فيجب غسله وما تحته من البشرة ، وإن كان كثيفاً وجب غسل ظاهره ،
لكن يُستحب تخليل الشعر الكثيف ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته في الوضوء 3[ أنظر صورة 4 ].
....
</B></I>
* ثم يغسل يديه مع المرفقين ، لقوله تعالى { وأيديكم إلى المرافق }4
، [ أنظر صورة 5 ] .
* ثم يمسح رأسه مع الأذنين مرة واحدة ، ويبدأ من مقدمة رأسه ثم يذهب بيديه إلى مؤخرة رأسه ثم يعود إلى مقدمة رأسه مرة أخرى
[ أنظر صورة 6 ] ،
ثم يمسح أذنيه بما بقي على يديه من ماء الرأس [ أنظر صورة 7 ] .
….
</B></I>
* ثم يغسل رجليه مع الكعبين ، لقوله تعالى { وأرجلكم إلى الكعبين } 5
والكعبان هما العظمان البارزان في أسفل الساق [ أنظر صورة 8 ] ،
ويجب غسلهما مع الرجل .
* من كان مقطوع الرجل أو اليد ، فإنه يغسل ما بقي من يده أو رجله مما يجب غسله [ أنظر صورة 9 ] ،
فإذا كانت اليد أو الرجل مقطوعة كلها ، غسل رأس العضو .
* ثم يقول بعد فراغه من الوضوء : ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) 6 .
* يجب على المتوضئ أن يغسل أعضاءه بتتابع ، فلا يؤخر غسل عضو منها حتى ينشف الذي قبله .
* يباح أن يُنشف المتوضئ أعضاءه بعد الوضوء .
….
</B></I>
[سنن الوضوء]
1- يُسَن للمسلم أن يتسوك عند وضوءه ، أي قبل أن يبدأ وضوءه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء ) 7
2- يُسَن للمسلم أن يغسل كفيه ثلاثاً قبل أن يبدأ وضوءه – كما سبق – [ أنظر صورة 1 ] ،
إلا إذا كان قائماً من النوم ، فإنه يجب عليه غسلهما ثلاثاً قبل وضوءه ، لأنه قد يكون فيهما أذى وهو لا يشعر ،
لقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً ، فإنه لا يدري أين باتت يده ) 8
3- تُسَن المبالغة في الاستنشاق ، كما سبق .
4- يُسَن للمسلم عند غسل وجهه أن يُخلل لحيته إذا كانت كثيفة [ كما سبق ] .
5- يُسَن للمسلم عند غسل يديه ورجليه أن يخلل أصابعهما ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( وخلل بين الأصابع ) 9[ أنظر صورة 10 ].
6- يُسَن للمسلم أن يبدأ في وضوءه بأعضائه اليمنى قبل اليسرى ، أي أن يبدأ بغسل اليد اليمنى قبل اليد اليسرى ، والرجل اليمنى قبل الرجل اليسرى .
7- يُسَن للمسلم أن يغسل أعضاءه في الوضوء مرتين أو ثلاث مرات ولا يزيد على الثلاث ، أما الرأس فإن لا يمسحه أكثر من مسحة واحدة .
8_ يُسَن للمسلم أن لا يسرف في ماء الوضوء ، لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً
وقال: ( من زاد فقد أساء وظلم )10
.…
</B></I>
[ نواقض الوضوء ]
ينتقض وضوء المسلم بهذه الأشياء :
1- الخارج من السبيلين ، من بولٍ أو غائط .
2- الريح الخارجة من الدُبر .
3- زوال عقل الإنسان ، إما بجنون ، أو إغماء ، أو سُكْر ، أو نوم عميق لا يحس فيه بما يخرج منه ، أما النوم اليسير
الذي لا يغيب فيه إحساس الإنسان ، فإنه لا ينقض الوضوء .
4- لمس الفَرْج باليد بشهوة ، سواءً كان فَرْجه هو أو فَرْج غيره ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من مسَّ فرجه فليتوضاً ) 11
5- أكل لحم الإبل ، لأنه صلى الله عليه وسلم سُئل : أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : ( نعم ) 12
* أكل كرش الإبل أو كبده أو شحمه أو كليته أو أمعائه ينقض الوضوء ، لأنه مثل لحمه .
* شرب لبن الإبل لا ينقض الوضوء ، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر قوماً أن يشربوا من ألبان إبل الصدقة ، ولم يأمرهم بالوضوء من ذلك . 13
* الأحوط أن يتوضأ إذا شرب ( مرقة ) لحم الإبل .
….
[ما يَحْرم على الـمُحْدث]
إذا كان المسلم مُحدثاً ، أي ليس على وضوء ،
فإنه يَحْرم عليه التالي :
1- لمس المصحف ، لقوله صلى الله عليه وسلم في كتابه إلى أهل اليمن ( لا يمس القرآن إلا طاهر ) 14
– أما قراءة القرآن دون لمس المصحف فتجوز للمُحْدث .
2- الصلاة ، فلا يجوز للمُحْدث أن يصلي حتى يتوضأ ، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاةً بغير طهور )15
* يجوز للمُحْدث أن يسجد سجود التلاوة ، أو سجود الشكر ، لأنهما ليسا بصلاة ، والأفضل أن يتوضأ قبل السجود .
3- الطواف ، فلا يجوز للمُحْدث أن يطوف بالكعبة حتى يتوضأ ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( الطواف بالبيت صلاة ) 16.
ولأنه صلى الله عليه وسلم توضأ قبل طوافه . 17
لا يشترط للوضوء أن يغسل المسلم فرجه ، لأن غسل الفرج ( القُبُل أو الدُبُر ) يكون بعد البول أو الغائط ، ولا دخل له بالوضوء .
....
</b></i>
ثم إذا هممت بالخروج من المغتسل فاستحضري ما حزتيه من
الأجر العظيم من حط الذنوب ورفع الدرجات.
واستحضري قوله صلى الله عليه وسلم:
{ ألا أدلكم على ما يمحو الله
به الخطايا، ويرفع الدرجات؟
قالوا: بلى يا رسول الله قال:
إسباغ الوضوء على المكاره
، وكثرة الٍخُطا إلى المساجد،
وانتظار الصلاة بعد الصلاة،
فذلكم الرباط، فذلكم
الرباط }
[رواه مسلم].
واستحضري كذلك
أن مواضع الوضوء ستكون
علامة لك يوم القيامة تعرفين
بها، فتنظرين إلى أعضائك
التي غسلتيها بشيء
من السرور والغبطة أن
هداك الله لهذا.
وإذا خرجت وقد توضأت
فاذكري هذا الدعاء لتنالي
جزاءه، وهو الوارد،في
هذا الحديث،
قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
{ ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ
– أو سبغ – الوضوء
ثم يقول: أشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله، إلا فتحت له
ابواب الجنة الثمانية
يدخل من أيها شاء }
[رواه مسلم].
وإذا فعلت ذلك في وضوئك
فأنى للشيطان أن يقربك،
وأنى له أن يدخل
عليك بوسواسه،
فأنت في كل لحظة معلقة
قلبك بالله سبحانه وبما –
ورد عن نبيه عليه
أفضل الصلاة وأتم التسليم.
....
[الاستعداد للصلاة قبل الصلاة]
إذا أردت الصلاة بعد
وضوئك، وأردت
الخشوع فيها،
فإن عليك أن تراعي أمورا
تزيدك خشوعا:
إن من السنن المؤكدة
تطييب رائحة الفم وتنظيف
الأسنان بالسواك عند
الوضوء وقبل الصلاة،
وذلك لما ثبت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
: { لولا أن أشق علي
أمتي لأمرتهم بالسواك
مع كل وضوء }
وفي رواية:
{ عند كل صلاة }
[متفق عليه].
وذلك يكسبك نشاطا،
ويعلمك التهيؤ للوقوف
بين يدي الله
سبحانه وتعالى.
ثانياً: الاستعداد باللباس
الحسن النظيف والتطيب
والبعد عن الريح
الكريهة:
إنك أخيتي لو فكرت في
قدومك إلى الصلاة لوجدت
نفسك لا تستعدين لها استعدادك
للقاء أي صاحبة لك
أو ضيفة تزورك،
فلو كنت قبل الصلاة
استحضرت أنك ستقدمين
على ملك الملوك رب العباد
الذي أمرك بأخذ الزينة عند
كل مسجد حيث قال:
( يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ
عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ
وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ )
[ الأعراف: 31].
لو كنت استحضرت هذا لبذلت
الجهد في الاستعداد
للصلاة بالحسن من
الطيب والثياب،
واعلمي أن استحضار هذا
يأتي بالخشوع، فالحسنة
تجر الحسنة، كما أن اللبس
النظيف والريح الطيب
يجعل صاحبه
في راحة نفسية
بخلاف اللباس الوسخ
المليء بالعرق والرائحة
الكريهة؛ فإنه يجعل
صاحبه في نفسية متضايقة
، ولا يستوي من يصلي
مرتاح النفس ومن يصلي
وهو متضايق.
واعلمي أنك لو أرغمت
نفسك على نبذ ما لا
يريحك عند الصلاة –
مهما كلفك –
ولو مرة واحدة لسهل عليك
الأمر، وعرفت كيف أن
الصلاة تحتاج منك
إلى استعداد.
....
</b></i>