بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المعروف : "(إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب)رواه البخاري ومسلم
فأقول لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء لإصلاح القلوب، ولكنه لم يأتي فقط لإصلاح القلوب بل ولإصلاح الظواهر أيضاً.ذلك لأن هذه الظواهر تُنبئ عن البواطن، في ذلك يقول العلماء: (الظاهر عنوان الباطن).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر الذي يربط فيه العمل وهو ظاهر بالقلب وهو باطن لا يعلم ما في القلوب إلا الله عز وجل، فيقول صلى الله عليه وآله وسلم
تعبيراً عن هذه الحقيقة: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
وبهذه المناسبة أقول: من الخطأ الشائع والفاحش أن يقال في بعض المناسبات: (أن العبرة بما في القلب)، لا، هذا كلام ناقص، (العبرة بما في القلب وما في العمل)، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث السابق: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".
فلذلك كما جاء النبي صلى الله عليه وسلم لإصلاح القلوب، جاء أيضاً لإصلاح الأعمال، بدليل تلك النصوص.ولا شك ولا ريب أن الأقوال من جملة الأعمال.وإذ الأمر كذلك فينبغي أن تكون أقوالنا في حد ذاتها صالحة كالعمل.
وكما أنه لا يجوز لمسلم أن يأتي بعمل ثم يظهر أن هذا العمل مخالف للشرع، فيُرَقِّعُونه بحجة أن نيته طيبة، هذا ترقيع.ذلك لأنه لا يشرع للعمل الطالح النية الصالحة.أي إذا كان العمل مخالفاً للشرع، وكانت النية صالحة، هذه النية الصالحة لا تقلب العمل الطالح المخالف للشرع إلى عمل صالح.
كما أنه على العكس من ذلك تماماً، لو كان العمل صالحاً، وكانت النية فاسدة، فهذا العمل الصالح لا يقلب النية الفاسدة فيجعلها صالحة.
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
المقصود بالهجرة هنا هو الجهاد في سبيل الله، فيقول عليه الصلاة والسلام: "فمن كانت هجرته" أي جهاده في سبيل الله، فهو العمل الصالح."ومن كانت هجرته": أي جهاده لأمر مادي، كامرأة يصيبها أو دنيا، فحينئذ عمله يصبح فاسداً.
وعلى هذا إذا كان لا بد من أن يكون العمل صالحاً مع صلاح القلب، وكانت الأقوال فيها من الأعمال، فلا بد من أن تكون الأقوال صالحة كالأعمال.
فوجود النية أو القصد الصالح كما ذكرنا آنفاً لا يجعل العمل الفاسد صالحاً. كذلك وجود النية الصالحة لا يجعل القول الفاسد المخالف للشرع صالحاً.
وعند ذا نصوص وأحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يتجلى فيها اهتمامه صلى الله عليه وسلم بإصلاح الألفاظ كما اهتم بإصلاح الأعمال من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام وهذا مبدأ عام وعظيم جداً: "إياك وما يُعتذر منه"،
وأوضح من هذا قوله عليه السلام: "لا تكلمن بكلام تعتذر به عند الناس" هذا هو التأويل.
ويزيد الأمر وضوحاً ومعالجة فعلية منه عليه الصلاة والسلام لبعض الأقوال التي صدرت من بعض الأصحاب خطأ، فما نظر النبي صلى الله عليه وسلم حينما نظر على فساد تلك الأقوال التي ستسمعون بعضها، ما نظر إلى صلاح قلوب قائليها،وإنما توجه إلى إصلاح تلك الأقوال، لأنه مكلف من رب العالمين أن يصلح الأعمال والأقوال مع القلوب.
من ذلك الحديث الذي أخرجه الإمام احمد رحمه الله في (مسنده) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوماً فقام رجل من الصحابة فقال: ما شاء الله وشئت يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام بشيء من الانزعاج والغضب: "أجعلتني لله نِداً؟ قل: ما شاء الله وحده".وفي الرواية الأخرى: "قل: ما شاء الله ثم شئت".
لهذا السبب أنكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قول ذلك القائل: (ما شاء الله وشئت)، لأنه قرن مشيئة النبي صلى الله عليه وسلم وجمعها مع مشيئة الله.
والله يقول: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (29) سورة التكوير.
فمشيئة الله هي الغالبة، ومشيئة عباده هي من مشيئة الله، وبعد مشيئة الله تبارك وتعالى.
لو رجعنا إلى ذلك القائل: (ما شاء الله وشئت)، ودققنا في قوله عليه السلام: "أجعلتني لله نداً"، أي شريكاً، وسألناه: هل أنت تعني أن النبي صلى الله عليه وسلم ند وشريك مع الله؟
لقال: أعوذ بالله، أنا ما أمنت به نبياً ورسولاً إلا فراراً من الإشراك بالله تبارك وتعالى.
مع ذلك فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم تلك اللفظة، لأنها تُشعر بخلاف ما يريد المتكلم.
قلنا آنفاً إنه عليه السلام كما جاء لإصلاح القلوب والأعمال فأيضاً جاء لإصلاح الأقوال.
وأن النية الصالحة لا تُغني عن هذه الأمور الأخرى، وهي الأعمال والأقوال الفاسدة.
وقد ذكرنا آنفاً أن ذاك الصحابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما شاء الله وشئت"، ما قصد أن يجعله شريكاً، مع ذلك صلح له لفظه.
فمن المخالفة للشرع أن ندع الناس يخالفون الشرع بدعوى أن قلوبهم صالحة,علماً أننا لا نستطيع أن نكشف عن ما في القلوب، هل هي حقيقة صالحة، هل هي حقيقة صالحة أم طالحة، هذه علمها عند ربي
فإذاً ما ربطنا آنفاً بين قوله عليه السلام: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله"، حينئذ نستطيع أن نجعل عمل المسلم دالاً على ما في قلبه.
ذلك لأن الظاهر مرتبط مع الباطن، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة حينما كان يأمر أصحابه، حينما ينهضون لعبادة الله وحده لا شريك له، كان يقول لهم: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم".
فإذاً الإخلال العملي بتسوية الصفوف، يؤدي إلى الإخلال لإصلاح القلوب.
ولذلك تعجبني كلمة بقولها بعض أهل العلم رداً على بعض من ينتمون إلى التصوف بحق أو بباطل، يقول هؤلاء العلماء رداً عليهم: (الظاهر عنوان الباطن).
اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني والحمد لله على كل حال وأعوذ بالله من حال أهل النار
آمين.
منقول بتصرف.
أسأل الله أن يجعل أعمالنا الصالحة صورة لقلوبنا الطاهرة
و أن يصلح لنا شأننا كله
جزاك الله خيرا واعطاك ما تتمنني عمرة ولا حجة
اللهم تقبل اعمالنا