يقول الصحابي الجليل جندب بن عبد الله حين وصف الطريقة التي رباهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاير – أي في قمة الفتوة- فتعلمنا الإيمان قبل القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً.. وهذا القول يؤكد على أن الإيمان ليس فقط أولاً، بل أولاً وأخيرًا وفي كل وقت، فالإيمان يسبق القرآن، والقرآن يزيد الإيمان .. فما أبلغ هذه المقولة !!
ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم من أوائل المتبعين لهذا المنهج، فانصلحت حياتهم، وأصلحوا حياة الناس، وسادوا البر والبحر، ومكَّن الله لهم في الأرض … كانوا – بالإيمان- رهباناً بالليل فرساناً بالنهار .. في مجال العلم علماء، وفي ساحات الجهاد آساد، وفي المحاريب رُكَّعاً سجداُ يبتغون فضلاً من ربهم، كانوا خير الأزواج لأزواجهم، وخير الآباء لأبنائهم، وخير الجيران لجيرانهم ..
لقد عاشروا الناس بالأبدان،وعاملوا الله بالقلوب، فكانوا – مهما وصفهم الواصفون- فوق الوصف، وأعظم من التشبيه
لاتنظِمَنَّ قصيدةً في وصفهم **** أعيا السلاحف أن تطول القمما
كيف تمت صناعة ذلك الجيل ؟!
إنها التربية الإيمانية التي كانت تتم في دار الأرقم، إنها ثلاثة عشر عاما رُفِع فيها شعار الإيمان أولاً حتي نبت الإيمان في قلوبهم واستوى على سوقه، ثم بدأ يؤتي أُكُله بإذن ربه ..
ذلك الإيمانهو الذي جعل المهاجرين يتركون ديارهم وأموالهم وملاعب صِباهم؛ ليفروا بإيمانهم الذي كان أغلى عندهم من كل غالٍ.. ولا يفعل ذلك إلا الإيمان.
ذلك الإيمان هو الذي جعل الأنصار يفتحون قلوبهم قبل بيوتهم المتواضعة لإخوانهم المهاجرين، ويقتسمون معهم القوت، بل ويؤثرونهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .. ولا يفعل ذلك إلا الإيمان.
هكذا شاء الله سبحانه أن يتربى الجيل الأول الذي سيحمل الرسالة الخاتمة، وهكذا تتربى الأجيال والأمم والشعوب، وهكذا ينصلح حال أمتنا، فلا يصلح حال آخر الأمة إلا بما صلح عليه حال أولها.
إن هذا الجيل الفريد دليلُ إثباتٍ، وشاهدُ عدلٍ على أهمية ما ندعو إليه (الإيمان أولاً)
وإن هذا الجيل برهان دامغ على أن مشكلتنا إيمانية، ولا تُحَل إلا بالإيمان.
.. وياللأسف!! حين لم ندرك تلك الحقيقة، كان لزاماً أن نجني الثمار المرة التي هي نتيجة طبيعية لضعف الإيمان، من قلة الورع، ونقص الحياء،والتنازل عن الثوابت والقيم، وتعلق القلوب بالدنيا والحرص عليها، وعدم تعظيم شعائر الله، وضعف التمسك بالسنة ..
ولا يزال الحصاد المرُّ يتوالى، فقد قلَّ التسامح، وغاض التغاضي، وانعدم العفو عند المقدرة ..
ازدادت المشاحنات والمطاحنات بسبب وبدون سبب نتيجة لسوء الظن وعدم سلامة الصدر.
قلَّ البذل والعطاء والإنفاق، وزاد الشح والبخل واكتناز الأموال .
ساءت الأخلاق وسادت الأنانية والأثرة وحب الذات .
ضعُفت الأخوة وقلَّ الحب وساد التفكك والخصام و…و…
… هل نُكمل أم يكفي ما ذُكِر ؟
هل يرى أحد القراء الكرام أننا قد بالغنا فيما ذكرناه؟؟
هل علمتم أيها الأحباب لماذا نقول الإيمان أولاً؟؟
- لأن الإيمان هو الحل الوحيد لكل مشاكلنا، و هو الترياق الشافي، والدواء الناجع لأمراض الأمة التي تفتك بها، وهو طريقها المضمون المأمون لاستعادة مجدها، واسترداد مقدساتها .
- لأن الإيمان هو طريقنا للرفعة والسموّ (وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )
- لأن الإيمان هو السبيل الوحيد لاستجلاب معية الله (وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)، وولايته (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا)، وكفايته (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ).
- ولأن الإيمان هو الشرط الوحيد لاستخلافنا وتمكيننا من جديد (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات ِلَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا..)
- منقول
ابدعتي في طرحك اختي الغالية
سلمت يداك<3