ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺿﻌﻬﺎ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻓﻲ ﻛﻒ ﻓﻘﻴﺮ ﻓﻮﻗﻌﺖ ﺃﻭﻻً ﻓﻲ ﻳﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ،
ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻟﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﻧﻮﺭًﺍ ﻭﺑﺮﻫﺎﻧًﺎ ﻭﻧﺠﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ.
ﻭﺍﻵﻳﺎﺕ ﻭﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﻭﺍﻵﺛﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻮ ﻟﻠﺼﺪﻗﺔ ﻭﺗﺤﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺗﺒﻴﻦ ﻓﻀﻠﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ
ﺟﺪًﺍ، ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺘﺼﺪﻗﻴﻦ ﻭﻭﺍﻗﻌﻬﻢ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻛﻠﻬﺎ ﺫﺍﺕ ﻋﺒﺮ ﻭﺩﻻﻻﺕ
ﻭﺗﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻢ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ، ﻭﺃﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻭﺩﻭﺭﻫﺎ ﺍﻟﺨﻔﻲ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ
ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﺼﺪﻗﻴﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺇﻧﻘﺎﺫ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺍﺯﻝ
ﻭﺍﻟﺒﻼﻳﺎ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ، ﺗﻤﺎﻣًﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻟﻠﺬﻱ ﺣﺒﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺌﺮ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺔ
ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻨﺮﻭﻳﻬﺎ ﺃﻋﻈﻢ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻃﻮﻕ ﻧﺠﺎﺓ ﻣﻦ
ﻛﻞ ﻫﻢّ ﻭﺿﻴﻖ ﻭﻛﺮﺑﺔ.
ﻓﻠﻘﺪ ﺭﻭﻯ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺸﻮﻛﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ » ﺍﻟﺒﺪﺭ ﺍﻟﻄﺎﻟﻊ ﺑﻤﺤﺎﺳﻦ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻘﺮﻥ
ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ « ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ ﺭﻗﻢ (1) ﺹ493 ، ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ،
ﻭﻗﺪ ﻧﺺ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺍﺗﺮﻫﺎ ﻭﺍﻧﺘﺸﺎﺭﻫﺎ ﺑﻴﻦ ﺃﺭﺟﺎﺀ ﺍﻟﻘﻄﺮ ﺍﻟﻴﻤﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﺗﺴﺎﻋﻪ ﻭﺿﻌﻒ
ﺍﻻﺗﺼﺎﻻﺕ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻠﻪ ﻟﻮﻋﻮﺭﺓ ﻃﺮﻗﻪ ﻭﺳﺒﻠﻪ، ﻭﺫﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﻄﺎﻋﻦ ﻭﻻ ﻣﺘﻬﻜﻢ
ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﺳﺒﻴﻞ، ﻭﺣﺘﻰ ﻻ ﻧﺘﻬﻢ ﺑﺘﻐﻴﻴﺐ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺃﻭ ﺗﻜﺮﻳﺲ
ﺍﻟﺨﺮﺍﻓﺎﺕ ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﻭﻓﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﻌﺾ ﺩﻋﺎﺓ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻭﻛﻴﻠﻨﺎ
ﻭﺣﺴﻴﺒﻨﺎ.
ﻭﻣﻔﺎﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺃﻥ ﺭﺟﻼً ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺑﻠﺪﺓ ﺑﺎﻟﻴﻤﻦ ﺗﺴﻤﻰ ﺍﻟﺤﻤﺮﺓ ﻭﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻏﺮﺏ
ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻦ ﺳﺎﺣﻞ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻷﺣﻤﺮ، ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺰﺭﺍﻋﺔ، ﻭﻣﺸﻬﻮﺭًﺍ ﺑﺎﻟﺼﻼﺡ
ﻭﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻭﻛﺜﺮﺓ ﺍﻹﻧﻔﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻋﺎﺑﺮﻱ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ، ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ
ﺑﺒﻨﺎﺀ ﻣﺴﺠﺪ، ﻭﺟﻌﻞ ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺳﺮﺍﺟًﺎ ﻳﻮﻗﺪ ﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ ﻭﻃﻌﺎﻡ ﻋﺸﺎﺀ
ﻟﻠﻤﺤﺘﺎﺟﻴﻦ، ﻓﺈﻥ ﻭﺟﺪ ﻣﻦ ﻳﺘﺼﺪﻕ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻋﻄﺎﻩ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻭﺇﻻ ﺃﻛﻠﻪ ﻫﻮ ﻭﻗﺎﻡ ﻳﺼﻠﻲ
ﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﺗﻨﻔﻼً ﻭﺗﻄﻮﻋًﺎ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺩﺃﺑﻪ ﻭﺣﺎﻟﻪ.
ﻭﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻭﻗﻊ ﺍﻟﻘﺤﻂ ﻭﺍﻟﺠﻔﺎﻑ ﺑﺄﺭﺽ ﺍﻟﻴﻤﻦ، ﻭﺟﻔﺖ ﻣﻴﺎﻩ ﺍﻷﻧﻬﺎﺭ
ﻭﺣﺘﻰ ﺍﻵﺑﺎﺭ، ﻭﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ، ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻟﺤﻴﺎﺗﻪ
ﻭﺯﺭﺍﻋﺘﻪ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﺑﺌﺮ ﻗﺪ ﻏﺎﺭ ﻣﺎﺅﻫﺎ، ﻓﺄﺧﺬ ﻳﺤﺘﻔﺮﻫﺎ ﻫﻮ ﻭﺃﻭﻻﺩﻩ، ﻭﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﻔﺮ
ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺒﺌﺮ ﺍﻧﻬﺎﺭﺕ ﺟﺪﺭﺍﻥ ﺍﻟﺒﺌﺮ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺳﻘﻂ ﻣﺎ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺒﺌﺮ ﻣﻦ
ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍﻧﺮﺩﻡ ﺍﻟﺒﺌﺮ ﻛﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺟﻞ، ﻓﺄﻳﺲ ﻣﻨﻪ ﺃﻭﻻﺩﻩ، ﻭﻟﻢ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﺍ ﺍﺳﺘﺨﺮﺍﺟﻪ
ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺌﺮ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻗﺪ ﺻﺎﺭ ﻫﺬﺍ ﻗﺒﺮﻩ ﻭﺑﻜﻮﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺻﻠﻮﺍ ﻭﺍﻗﺘﺴﻤﻮﺍ ﻣﺎﻟﻪ ﻇﻨًﺎ ﻣﻨﻬﻢ
ﻭﻓﺎﺗﻪ.
ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻷﻭﻻﺩ ﻣﺎ ﺟﺮﻯ ﻷﺑﻴﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﺎﻉ ﺍﻟﺒﺌﺮ ﺍﻟﻤﻨﻬﺎﺭ، ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﻧﻬﺪﻡ ﺍﻟﺒﺌﺮ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻛﻬﻒ ﻓﻲ ﻗﺎﻉ ﺍﻟﺒﺌﺮ، ﻓﻠﻤﺎ ﺍﻧﻬﺎﺭﺕ ﺟﺪﺭﺍﻥ
ﺍﻟﺒﺌﺮ ﺳﻘﻄﺖ ﻣﻨﻪ ﺧﺸﺒﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﻨﻌﺖ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻟﻬﺪﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺠﺎﺭﺓ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﺃﻥ
ﺗﺼﻴﺐ ﺍﻟﺮﺟﻞ، ﻭﺑﻘﻲ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺔ ﺍﻟﻜﻬﻒ ﻭﻭﺣﺸﺘﻪ ﻻ ﻳﺮﻯ ﺃﺻﺎﺑﻌﻪ ﻣﻦ ﺷﺪﺓ
ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ، ﻭﻫﻨﺎ ﻭﻗﻌﺖ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻭﺟﺎﺀ ﺍﻟﻔﺮﺝ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺸﺪﺓ، ﻭﻇﻬﺮ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ ﻓﻲ
ﺃﺣﻠﻚ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ، ﺇﺫ ﻓﻮﺟﺊ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﺑﺴﺮﺍﺝ ﻳﺰﻫﺮ ﻓﻮﻕ ﺭﺃﺳﻪ ﻋﻨﺪ ﻣﻘﺪﻣﺔ
ﺍﻟﻜﻬﻒ ﺃﺿﺎﺀ ﻟﻪ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﻗﺒﺮﻩ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺿﻲ، ﺛﻢ ﻭﺟﺪ ﻃﻌﺎﻣًﺎ ﻫﻮ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ
ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻟﻠﻔﻘﺮﺍﺀ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻳﺄﺗﻴﻪ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻭﺑﻪ ﻳﻔﺮﻕ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ
ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻭﻳﻘﺾ ﻭﻗﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﺟﺎﺓ ﻭﺍﻟﺼﻼﺓ.
ﻇﻞ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﺣﺒﻴﺲ ﻗﺒﺮﻩ ﻭﺭﻫﻴﻦ ﺑﺌﺮﻩ ﺳﺖ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻭﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ ﺍﻟﺘﻲ
ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﺎ، ﺛﻢ ﺑﺪﺍ ﻷﻭﻻﺩﻩ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺪﻭﺍ ﺣﻔﺮ ﺍﻟﺒﺌﺮ ﻭﺇﻋﻤﺎﺭﻫﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ، ﻓﺤﻔﺮﻭﻫﺎ ﺣﺘﻰ
ﻭﺻﻠﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﻗﻌﺮﻫﺎ ﺣﻴﺚ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻜﻬﻒ، ﻭﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻔﺎﺟﺄﺓ ﻣﺮﻭﻋﺔ ﻭﺍﻟﺪﻫﺸﺔ
ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺟﺪﻭﺍ ﺃﺑﺎﻫﻢ ﺣﻴًﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻓﻴﺔ ﻭﺳﻼﻣﺔ، ﻓﺴﺄﻟﻮﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﻓﺄﺧﺒﺮﻫﻢ
ﻭﻋﺮﻓﻬﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺑﻘﻴﺖ ﺗﺤﻤﻞ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻛﺮﺑﺘﻪ ﻭﻗﺒﺮﻩ
ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﻗﺒﺮﻩ ﺑﻌﺪ ﺳﺖ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻛﺎﻣﻠﺔ
جزاك الله خير اختي ام عبد الودود