قصص القرآن
القص لغة : تتبع الأثر . يقال : قصصتُ أثره : أي تتبعته ، وقصص القرآن: أخباره عن أحوال الأمم الماضية ، والنبوات السابقة ، والحوادث الواقعة _ وقد اشتمل القرآن على كثير من وقائع الماضي ، وتاريخ الأمم ، وذكر البلاد والديار . وتتبع آثار كل قوم ، وحكى عنهم صورة ناطقة لما كانوا عليه .
قال الشيخ محمد بن عثيمين:
القصص والقص لغة : تتبع الأثر
وفي الاصطلاح : الإخبار عن قضية ذات مراحل يتبع بعضها بعضًا .
وقصص القرآن أصدق القصص لقوله تعالى : )
ومن أصدق من الله حديثًا
( وذلك لتمام مطابقتها للواقع .
وأحسن القصص لقوله تعالى : )
نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن
( وذلك لاشتمالها على أعلى درجات الكمال في البلاغة وجلال المعنى .
وأنفع القصص لقوله تعالى : )
لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب
( وذلك لقوة تأثيرها في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق([1])
يتبع…..
أنواع القصص في القرآن:
والقصص في القرآن ثلاثة أنواع :
النوع الأول : قصص الأنبياء ، وقد تضمن دعوتهم إلى قومهم ، والمعجزات التي أيدهم الله بها ، وموقف المعاندين منهم ، ومراحل الدعوة وتطورها وعاقبة المؤمنين والمكذبين . كقصة نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وهارون ، وعيسى ، ومحمد ، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين ، عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام .
النوع الثاني : قصص قرآني يتعلق بحوادث غابرة ، وأشخاص لم تثبت ثبوتهم ، كقصة الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت . وطالوت وجالوت ، وابني آدم ، وأهل الكهف ، وذي القرنين ، وقارون ، وأصحاب السبت ، ومريم ، وأصحاب الأخدود ، وأصحاب الفيل ونحوهم.
النوع الثالث : قصص يتعلق بالحوادث التي وقعت في زمن رسول الله كغزوة بدر واُحد في سورة آل عمران ، وغزوة حنين وتبوك في التوبة ، وغزوة الأحزاب في سورة الأحزاب ، والهجرة ، والإسراء ، ونحو ذلك .
وللقصص القرآني فوائد نجمل أهمها فيما يأتي :
1- إيضاح أسس الدعوة إلى الله ، وبيان أصول الشرائع التي يبعث بها كل نبي : ) وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ( [الأنبياء : 25].
2- تثبيت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلوب الأمة المحمدية على دين الله وتقوية ثقة المؤمنين بنصرة الحق وجندة ، وخذلان البطل وأهله: ) وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ، وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ( [هود: 12] .
3- تصديق الأنبياء السابقين وإحياء ذكراهم وتخليد آثارهم .
4- إظهار صدق محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته بما أخبر به عن أحوال الماضين عبر القرون والأجيال .
5- مقارعته أهل الكتاب بالحجة فيما كتموه من البينات والهدى ، وتحديه لهم بما كان في كتبهم قبل التحريف والتبديل ، كقوله تعالى : ) كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسة من قبل أن تنزل التوراة ، قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ( [آل عمران: 93].
.
9- بيان فضله تعالى بمثوبة المؤمنين لقوله تعالى : ) إلا آل لوط نجيناهم بسحر نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر ( .
10- تسلية النبي عما أصابه من المكذبين له لقوله تعالى : ) وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ( .
11- ترغيب المؤمنين في الإيمان بالثبات عليه والازدياد منه إذ علموا نجاة المؤمنين السابقين وانتصار من أمروا بالجهاد لقوله تعالى : ) فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ( .
12- تحذير الكافرين من الاستمرار في كفرهم لقوله تعالى : ) أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها (.
13- إثبات رسالة النبي فإن أخبار الأمم السابقة لا يعلمها إلا الله عز وجل لقوله تعالى : ) تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ( وقوله ) ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ( ([3]).
يتبع…..
تكرار القصص وحكمته :
([1]) أصول في التفسير للشيخ محمد بن صالح العثيمين (52-53).
([2]) مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان (317-318)
([3]) أصول في التفسير للشيخ محمد بن صالح العثيمين (53-54).
([4]) أصول في التفسير للشيخ محمد بن صالح العثيمين (54-55).
([5])مباحث في علوم القرآن للقطان (318-319).
([6])أصول في التفسير للعثيمين (54-55).
مشكووووورة
متالقة بمواضيعك الهادفة
دمت لنا
يقول من أحاط بكل شيء خُبرا:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا • إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا
(الكهف، 83-84)
يقول تعالى لنبيّه صلى اللّه عليه وسلم {ويسألونك} يا محمد {عن ذي القرنين} أي عن خبره، وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب، يسألون منهم ما يمتحنون به النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقالوا: سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية ما يدرى ما صنعوا، وعن الروح، فنزلت سورة الكهف.
وقد ذكر الأزرقي وغيره أنه [ذو القرنين] طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل عليه السلام أول ما بناه وآمن به، وتبعه، وكان وزيره الخضر عليه السلام، وقد ذكرنا طرفاً صالحاً من أخباره في كتاب البداية والنهاية، بما فيه كفاية والحمد للّه.
وقال بعض أهل الكتاب: سمّي ذا القرنين لأنه ملك الروم وفارس، وقال بعضهم كان في رأسه شبه القرنين. وقال سفيان الثوري، عن أبي الطفيل: سئل علي رضي اللّه عنه عن ذي القرنين فقال: كان عبداً ناصحاً للّه فناصحه، دعا قومه للّه فضربوه على قرنه فمات، فسمي ذا القرنين. ويقال إنه سمي ذا القرنين لأنه بلغ المشارق والمغارب من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب.
وقوله: {إنا مكنا له في الأرض} أي أعطيناه ملكاً عظيماً، ممكناً فيه من جميع ما يؤتى الملوك من التمكين والجنود وآلات الحرب والحضارات، ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض، ودانت له البلاد وخضعت له ملوك العباد، وخدمته الأمم من العرب والعجم.
وقوله: {وآتيناه من كل شيء سببا}، قال ابن عباس [وغيره]: يعني علماً. وقال قتادة: منازل الأرض وأعلامها، وقال عبد الرحمن بن زيد، تعليم الألسنة، قال: كان لا يغزو قوماً إلا كلمهم بلسانهم، وعن حبيب بن حماد قال: كنت عند علي رضي اللّه عنه، وسأله رجل عن ذي القرنين، كيف بلغ المشرق والمغرب؟ فقال: سبحان اللّه، سخّر له السحاب، وقدر له الأسباب، وبسط له اليد.. ذكره الضياء المقدسي عن سماك بن حرب.
*من تفسير ابن كثير، رحمه الله
نفعنا الله واياكن….