لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه ونبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد..
أيها الإخوة الكرام: حديثي معكم في هذه الكلمة فيما يتعلق بأصول الإيمان, وهذا موضوع اختارته الجامعة ووافقت عليه, لأنه موضوع مهم جدا, لأن مدار ديننا على هذه الأصول, لأنه سر نجاح الأمة وسر سعادتها وسر أمنها وسر سيدتها على الأمم إذا حققته في أقوالها وأعمالها وسيرتها وجهادها وأخذها وعطائها وغير ذلك..
وقد أوضح القرآن هذه الأصول كما أوضحها نبينا عليه الصلاة والسلام في آيات وأحاديث كثيرة, وهي أصول ستة, هي أصول الإيمان, وهي أصول الدين.. فإن الإيمان هو الدين كله وهو الإسلام وهو الهدى وهو البر والتقوى وهو ما بعث الله به الرسول عليه الصلاة والسلام من العلم النافع والعمل الصالح, كله يسمى إيمانا, هذه أصول ديننا الستة أوضحها الكتاب العزيز في مواضع, وأوضحها رسول الله الأمين في الأحاديث, فمما ورد في كتاب الله عز وجل قوله سبحانه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} الآية. فبين سبحانه هنا خمسة من أصول الإيمان. الإيمان بالله, واليوم الآخر, والملائكة, والكتاب, والنبيين. هذه خمسة أصول عليها مدار الدين ظاهره وباطنه, وقال جل وعلا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} الآية.
فبين سبحانه وتعالى هنا أربعة أصول في قوله {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِه وَرُسُلِهِِ} , ولم يذكر اليوم الآخر, ولكنه ذكره في الآية السابقة, وهذه سنة الله في كتابه ينوع سبحانه الأخبار عنه عز وجل
وعن أسمائه وصفاته، وعن أصول هذا الدين، وعن شئون يوم القيامة والجنة والنار، وعن الرسل وأممهم حتى يجد القارئ في كل موضع من كتاب الله ما يزداد به إيمانه وعلمه، وحتى يطلب المزيد من العلم في كل موضع من كتاب الله عز وجل، وفي كل حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً} .
وقد أوضح سبحانه في هذه الآية الأخيرة أن الكفر بهذه الأصول ضلال بعيد عن الهدى، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وفي مواضع يذكر الإيمان بالله وحده؛ لأن جميع ما ذكر في الآيات الأخرى داخل في ضمن الإيمان بالله، وفي بعضها الإيمان بالله ورسوله، وفي بعضها الإيمان بالله واليوم الآخر فقط، وما ذاك إلا لأن البقية داخلة في ذلك، فإذا ذكر الإيمان بالله دخل فيه بقية الأشياء التي ذكرها في الآيات الأخرى، كالإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، فمن هذا قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} ؛ فاقتصر على الإيمان بالله والكتاب المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام والكتاب المنزل من قبل، ولم يذكر الأصول الأخرى؛ لأنها داخلة في الإيمان بالله، وهكذا قوله جل وعلا: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا} ، ذكر الإيمان بالله ورسوله والنور الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو الكتاب والسنة؛ لأن البقية داخلة في ذلك، فالكتاب والسنة داخلة في النور، وهكذا كل ما أخبر الله به رسوله مما كان وما يكون كله داخل في النور، وهكذا قوله جل وعلا: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} ؛ فذكر الإيمان بالله ورسوله فقط؛ وما ذاك إلا لأن البقية داخلة في الإيمان بالله ورسوله.