لم يتركِ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أمرًا فيه تشجيع وحثٌّ على حفظ القرآن الكريم إلا سلكه، فكان يُفَاضِل بين أصحابه – رضي الله عنهم – بحفظ القرآن، فيعقد الراية لأكثرهم حفظًا، وإذا بعث بعثًا جعل أميرهم أحفظَهم للقرآن، وإمامَهم في الصلاة أكثرَهم قراءة للقرآن، ويقدِّم للَّحْدِ في القبر أكثرَهم أخذًا للقرآن، وربما زوَّج الرجل على ما يحفظه في صدرِه من القرآن.
وأخبر – صلى الله عليه وسلم – عن علوِّ درجة الحافظ، وأن المؤمنين حين يدخلون الجنة، فإن حافظ القرآن له شأن آخر؛ حيث يعلو غيرَه في درجات الجنة لتعلوَ منزلتُه، وترتفع درجته في الآخرة كما ارتفعت في الدنيا، لكن ذلك مشروطٌ بالإخلاص،
فإن وُجِد الإخلاص أنعم الله – سبحانه وتعالى – عليه بعدة كرامات، منها:
الإنعام عليه بتاج الكرامة،
وحُلَّة الكرامة،
فهو يُعرَف بها يوم القيامة بين الخلائق، وهي علامة على كرامة لابسِها ومكانته عند الله – سبحانه وتعالى – وغير ذلك من الكرامات التي أعلاها رضا الله – سبحانه وتعالى.
• الحافظ مع السَّفَرة الكرام البَرَرة.
• الحافظ مقدَّم في الدنيا والآخرة؛ في الإمارة، والإمامة، والشورى، واللَّحْد.
• الحفَّاظ هم أهل الله وخاصته.
• الحفَّاظ لا تحرقهم النار.
هذه بعض فضائل حفظ القرآن الكريم، وفي كلٍّ منها وردت أحاديث كثيرة، فهنيئًا لمَن حَفِظ كتاب الله – سبحانه وتعالى – فجمعه في صدره، وعَمِل بما فيه، هنيئًا له بهذه البُشريات، فهل من مشمِّر؟!
كيف أحفظ القرآن الكريم؟!
((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين)).
• أخي يا صاحب القرآن، إن حفظ القرآن الكريم لمهمة من أجلِّ المهام التي من الممكن أن يقوم بها مسلم، وأجَلُّ من ذلك وأعظم أن تعملَ بما تحفظ، وأن تدعوَ إلى الله – عز وجل – بهذا الكتاب الكريم؛ قال – تعالى -:
﴿ المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 1، 2]،
ولكي نُدرِك عظمةَ هذه المهمة علينا أن نتدبَّر قليلاً في أجر مَن يقرأ القرآن، فإذا علمتَ أن هذا الأجر الجزيل يُعطَى للقارئ، فما بالكم بالذي يحفظ؟! ذلك لأنه من المعلوم أن الذي يحفظ قد داوم على قراءة كثيرة، وما زال يداومُ حتى يُثَبِّتَ حفظَه، ويراجع ما قد نساه على مرِّ الأيام، فمن ذلك – مثلاً – ما سبق أن ذكرتُه من حديث الترمذي عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:
((مَن قرأ حرفًا من كتاب الله – تعالى – فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))؛ قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
((اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزَّهراوَينِ البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيانِ يوم القيامة كأنهما غمامتانِ، أو كأنهما غَيَايتانِ، أو كأنهما فرقانِ من طير صوافَّ، تُحَاجَّان عن أصحابهما))
يتبع…..
هذا مع العلم طبعًا أن غالب الكلمات التي يقرؤها الأطفال لا يدركون معناها، تجد أيضًا أن كثيرًا من الأُمِّيين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، يحفظون هذا الكتاب العجيب، فقط عن طريق السماع والتلقين،
تجد أيضًا كثيرًا ممَّن فقدوا نعمة البصر قد أبدلهم الله – عز وجل – بها نعمة القرآن، فهم وإن كان يتعذَّر عليهم مطالعة المصحف، وحفظ شكل الصفحة، إلا أن الله – عز وجل – يمنُّ عليهم بحفظ القرآن الكريم، وبصورة قد تكون أرسخ وأقوى من الذين يتمتَّعون بنظر صحيح ثاقب! بل أعجب من ذلك وأغرب، أنك تجد قومًا لا يتحدَّثون اللغة العربية أصلاً، يحفظون هذا الكتاب عن ظهر قلب! بل ويرتِّلونه كما أُنزِل، وبصورة قد تكون أفضل جدًّا من كثير من العرب الذين يتكلمون العربية.
كل هذا يشير إلى أن تيسير حفظ هذا الكتاب الكريم هو معجزة إلهية، وآية ربَّانية، وصدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17].
وأعظم وسائل حفظ هذا الكتاب الجليل في الأرض، هو أن يُحفَظ في قلوب الرجال والنساء والأطفال، فهذه أماكن آمنةٌ لا يصل إليها عدو ولا حاقد، وقد يأتي على المسلمين زمانٌ يُحارَب فيه الإسلام، وتُحرَق فيه المصاحف، ولكن يبقى القرآن في الصدور، حدث ذلك على سبيل المثال في الجمهوريات الإسلامية أيام احتلال الاتحاد السوفيتي لها؛ فهم كانوا يحرقون كل المصاحف، ويعاقبون بالقتل كلَّ مَن يجدون عنده مصحفًا في بيته أو في عمله،
ومع ذلك فإن أهل هذه البلاد حَفِظوا القرآن الكريم في صدورهم، ونقلوه من واحد إلى واحد عن طريق التلقين، وكانوا يدرسونه في المخابئ والكهوف والخنادق، ومرت الأيام، وانقشع الظلام الروسي، وبَقِي القرآن الكريم في صدور المسلمين، وصدق الله – عز وجل – إذ يقول:
﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 49]،
غير أني أَودُّ أن أؤكِّد على أن حفظ القرآن الكريم مسؤولية عظيمة، وتبعة كبيرة، فالذي وفَّقه الله – عز وجل – لهذه النعمة، عليه أن يعرف أنه سيبدأ حياة جديدة، وهو يحملُ في صدره هذا القرآن، ومن المؤكَّد أنه لن يكون كما كان في سابق حياته، بل ستتغيَّر فيه أشياء كثيرة، في داخله وفي خارجه، في سريرته وفي علانيَته، في علاقاته وفي معاملاته، لقد أصبح إنسانًا يحمل القرآن! ولا بد لهذا الإنسان من التحلِّي بصورة خاصة جدًّا، لا يتحلى بها إلا حمَّال هذا الكتاب الجليل.
يتبع……
ويقول التابعي الجليل الفُضَيل بن عياض – رحمه الله -: "حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهوَ مع مَن يلهو، ولا يسهو مع مَن يسهو، ولا يلغو مع من يلغو"، وقال أيضًا: "ينبغي لحامل القرآن ألا تكون له حاجة إلى أحد من الخلفاء فمَن دونهم".
هذه الصورة التي يشرحها لنا عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – والفُضَيل بن عياض – رحمه الله – توضِّح لنا أن حفظ القرآن الكريم تربية، وتربية عظيمة، هو تربية للفرد، وهو كذلك تربية للأمة، وتخيَّل أمةً يكثر فيها المؤمنون الذين يتَّصِفون بهذه الصفات، إنها ولا شك أمة لا تموت.
والله – عز وجل – كلَّف حُمَّال القرآن بمهمة عظيمة جدًّا لا يكلَّف بها إلا أفاضل الرجال، لقد استأمنهم على أغلى وأعظم عبادات الإسلام، لقد استأمنهم على "الصلاة"؛ فجعل الذي يؤمُّ الناس في الصلاة هو أكثرهم قرآنًا، وأعظمهم تجويدًا ودراية بقواعد التلاوة.
روى مسلم عن أبي مسعود الأنصاري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتابِ الله، فإن كانوا في القراءة سواءً، فأعلمُهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً، فأقدمُهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواءً، فأقدمُهم سِلْمًا، ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانِه، ولا يقعد في بيته على تكرمتِه إلا بإذنه))، قال الأشج في روايته مكان "سِلْمًا": "سنًّا".
كذلك قدَّم الإسلام هؤلاءِ الحفَّاظَ على غيرهم في قضايا الإفتاء، والشورى، وأخذ الرأي، فالذي نوَّر الله قلبه بالقرآن أقدرُ على معرفة الحق من الباطل، والصواب من الخطأ.
روى البخاري عن عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: "وكان القرَّاء أصحابَ مجالس عمرَ ومشاورته، كهولاً كانوا أو شبانًا"،
وحامل القرآن يَثبُت في أوقات الجهاد والنزال أكثر من غيره، بل على أكتافهم توضع المسؤولية، ومن ورائهم تسير الجيوش، لقد كان المسلمون في موقعة "اليمامة" الشهيرة إذا حدثت لهم هزة أو انتكاسة، استنجدوا بأهل القرآن، كانوا ينادون عليهم ويقولون: "يا أهل القرآن" فيقومون، ويقوم من ورائهم المسلمون، حتى استشهد في اليمامة خمسمائة حافظ للقرآن! ثم قام المسلمون بعد ذلك ينادون على حفَّاظ سورة البقرة: "يا أهل البقرة"، فقاموا حتى مات منهم خلق كثير، وهذا يوضِّح التبعة الضخمة التي كان يحملها حفَّاظ القرآن الكريم.
ولا يصح لأحدٍ أن يقول: إن المسؤولية كبيرة، ولا داعي لحملها حتى لا يسألني الله عنها! فكل تكاليف الإسلام مسؤولية؛ الجهاد مسؤولية، الدعوة مسؤولية، الإمارة مسؤولية، قول الحق مسؤولية،
فمَن يحمل مسؤوليات الإسلام إن تخلَّف عنها المسلمون؟! ثم إن الأجر على قدر المشقة، وليس مَن تَعِب وسهر كمَن تكاسل وفتر! والعبرة بالنوايا والأعمال، وليس بالنتائج، والله مطَّلِع على وُسْعِنا، ومحاسبُنا عليه، أسأل الله أن يستعملنا لدينه.
لكل ما سبق، فإن حافظ القرآن الكريم كان له – وما زال – مكانةٌ عظيمة في الإسلام، وستظل هذه المكانة – إن شاء الله – محفوظةً لهم إلى يوم القيامة.
روى مسلم أن نافع بن عبدالحارث لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: مَن استعملت على أهل الوادي؟ فقال: "ابنُ أَبْزَى" قال: ومَن ابن أبزى؟ قال: مولًى من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولًى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله – عز وجل – وإنه عالِم بالفرائض، ثم قال عمر: أما إن نبيَّكم – صلى الله عليه وسلم – قد قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين)).
وروى البخاري عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يجمع بين الرجلين من قتلى أُحُد، ثم يقول: ((أيهما أكثر أخذًا للقرآن؟!))، فإن أُشِير إلى أحدِهما قدَّمه في اللَّحْد.
إخواني في الله، يا أصحاب القرآن، حفظ القرآن مهمة عظيمة، وتحتاج لعظيم، حفظُ القرآن غاية نبيلة لا بد أن تُبذَل في سبيل تحقيقها الأوقاتُ والأيام!
مقال اعجبني كثيرا اسال الله ان ينفعنا به….
الى ان نلتقي في موضوع القواعد الاساسية في الحفظ تقبلوا تحياتي الصادقة…
جعله الله في ميزان حسناتك
يا ريت يا اختي ترشدينا عن اي شيئ يساعد على الحفظ
نويت ان احفظ لكن وجدت صعوبات
ام عبد الرحمن
ميما نور
لؤلؤة البحر
للاستفادة اكثر تفضلن