السؤال:
ذَكَرَ سماحةُ الشيخ ابنُ بازٍ ـ رحمه الله ـ: «أنَّ دعاءَ الصفة لا يجوز قولًا واحدًا لأهل السنَّة»، كيف نجمع بين هذا الكلام وحديثِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ»؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فيُوجَد فرقٌ بين دعاء الصفة والدعاءِ بالصفة:
والمرادُ مِن دعاء الصفة أن تكون الصفةُ المدعوُّ بها تقتضي شيئًا منفصِلًا ومستقِلًّا عن الذات الإلهية يسمع الدعاءَ ويجيبُ مِثْلَ أن يقول: «يا رحمةَ اللهِ ارحميني»، «يا عزَّة الله أَعِزِّيني»، «يا قوَّةَ اللهِ قَوِّيني»، ونحوِ ذلك ممَّا لم يَرِدْ قطُّ في الأدعية المأثورة، فمَنِ اعتقد أنَّ الصفة المنفصِلة عن الموصوف تغفر وترحم وتُغْني وتُقَوِّي.. فقد جعل الصفةَ إلهًا معبودًا، وهذا كفرٌ باتِّفاق العلماء، ذلك لأنَّ صفاتِ الله تعالى ملازِمةٌ لذاته لا تنفكُّ عنه، فهو سبحانه إلهٌ واحدٌ بجميع صفاته، وأسماؤُه وصفاتُه داخلةٌ في اسمه «الله»، ولا يجوز أن يُطْلَقَ على الصفة بأنها إلهٌ أو خالقٌ أو رزَّاقٌ ونحوُ ذلك، وقد نقل ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ اتِّفاقَ العلماء على أنَّ دعاءَ صفاته وكلماته كفرٌ حيث قال: «وأمَّا دعاءُ صفاته وكلماته فكفرٌ باتِّفاق المسلمين، فهل يقول مسلمٌ: يا كلامَ الله اغفِرْ لي وارْحَمْني وأَغِثْني أو أَعِنِّي، أو يا عِلْمَ الله أو يا قدرةَ الله أو يا عزَّةَ الله أو يا عظمةَ الله ونحوَ ذلك؟ أو سُمِعَ مِنْ مسلمٍ أو كافرٍ أنه دعا ذلك مِنْ صفات الله وصِفَاتِ غيرِه أو يطلبُ مِنَ الصفةِ جَلْبَ منفعةٍ أو دَفْعَ مضرَّةٍ أو إعانةً أو نصرًا أو إغاثةً أو غيرَ ذلك».
وهذا الذي عناه الشيخُ ابنُ بازٍ ـ رحمه الله ـ بتقرير الإجماع على عدم مشروعية دعاء الصفة.
وأمَّا الدعاءُ بالصفة أو سؤالُ اللهِ بأسمائه وصِفاته فمشروعٌ، وهو مِنْ قَبِيلِ التوسُّل المشروع، وقد ثبت مِن مأثور الأدعية ما يدلُّ على جواز التوسُّل إلى الله تعالى بصفة الرحمة، كما ذُكِرَ في السؤال حديثُ: «بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ»، ومعناه: «أسألك يا اللهُ برحمتِك»، وكذلك الاستعاذةُ بالصفة مِثْلَ قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ»، أو قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ»، أو قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ»، أو الاستخارةُ بالصِّفةِ مِثْلَ: قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ».
فإذا تقرَّر الفرقُ بين الدعاءَيْنِ فلا تَعارُضَ بين القولَيْنِ؛ لإمكان حملِ كلِّ واحدٍ منهما على معناه الصحيحِ الموافقِ له.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
بارك الله فيك و جزاك الله خيرا أختي أمواج على هذا الموضوع القيم.
آمين اختي نورهان ولك بالمثل ربي يحفظك