الصراخ
مثل الصراخ أول أثر يلقيه الرضيع في محيطه و يبقى خلال الأشهر الأولى السبيل الرئيس الذي يشير إلى حاجات الرضيع .
يبكي الصغار في بواكير حياتهم بسبب الجوع أو الألم و ثمة أدلة عملية تدل على قدرة كل من الجوع و الألم على توليد أنواع مختلفة من الصراخ فيرتبط الصراخ المتناغم الذي ينشأ تدريجياً بالجوع كما ينجم الصراخ الحاد المتنافر عن الألم و لا يمكن معرفة مشاعر الطفل المرتبطة بصراخه و ما معرفة الأمهات السبب الذي يدفع رضيعهن للصراخ سوى تعميم متعجل لما يعرفنه من حال أطفالهن .
يبدأ الأطفال خلال السنة الأولى بالصراخ لفترات قصيرة مستخدمين الصراخ كواسطة للإتصال بالآخرين أما أولاد ما دون الشهر الثالث عندما يكونون وحدهم يصرخون أكثر مما لو كانت أمهاتهم على مرأى منهم أما بين الشهرين التاسع والثاني عشر فيزيد صراخهم عندما يرون الأم ولا يستطيعون لمسها أكثر مما لو حملوا أو كانوا وحدهم و هكذا تنقلب وظيفة الصراخ في السنة الأولى نمطاً أو أسلوباً للإتصال و قد لاحظ الباحثون أن صراخ الطفل في نهاية السنة الأولى ينخفض إلى نصف كمه في الشهر الثالث الأمر الذي يؤكد تحول الصراخ إلى الوظيفة الإجتماعية .
التحديق
يعد التحديق أول سلوك يستخدمه الرضيع لتوجيه ذاته في العالم و لتلقي المعلومات عنه, وتؤكد إحدى وجهات النظر أن الطفل يدرك العالم كتشويش مبهم طنان.
غير أن الأدلة العلمية الأخيرة تشير إلى ولادة الرضيع مجهزاً بعدد من القدرات البصرية المتطورة إذ يستطيع حديثو الولادة التركيز في الشيء و ملاحقته بأعينهم كما يستطيعون تمييز فروق الأشياء في الحجم و الشكل و تفضيل المركب على البسيط و الجديد على المألوف.
تساعد تلك الخواص الإدراكية الرضيع على التوجه نحو الناس و العالم و يفضل الرضع بدءاً من الشهر الرابع التطلع إلى الوجوه بدل الأشياء ووجه الأم على سائر الوجوه و تبرز علاقات إدراكية جديدة حالما يبدأ الرضيع التحديق المحدد في وجه الراشد و عينه على الخصوص فإحتكاك العين بالعين خبرة تنقل العلاقة إلى طور جديد و تجعل الراشد يحس و للوهلة الأولى أنه إنما يتعامل مع كائن بشري و ليس مع شيء أو حيوان فما أن تبادل الأم رضيعها التحديق حتى تشتد مشاعرها و تتقوى عواطفها و تسخن علاقتها مع طفلها أو عنايتها به .
يعطي التحديق الطفل فرصة لممارسة سيطرته على الآخر إضافة إلى تقويته للروابط الإجتماعية بينه و بين الراشد و يستطيع الطفل شأن الراشد أن يمارس التحديق بصيغ مختلفة تشجع العلاقة الإجتماعية أو تحبطها .
الإبتسام
الإبتسام ينمو الإبتسام وفق ثلاث مراحل متميزة هي الإرتكاسية و العشوائية و الإجتماعية .
يبتسم الرضع منذ الولادة إستجابة لمختلف الحالات الداخلية و يمكن جر البسمة منذ الشهر الأول بإثارة الرضيع بالصوت المرتفع و خاصة صوت الأنثى إلا أن ذاك النوع من الإبتسام يبقى رجراجاً عديم الصيغة و تعوزه الحرارة الملازمة للفعل الإجتماعي .
و تتغير إبتسامة الرضيع حوالي الأسبوع الرابع بصورة جذرية فتتسع إبتسامته و تستمر لفترة طويلة و تشكل التعابير الوجهية التي تضيء العين .
و لا تنطلق الإبتسامة في هذه السن إستجابة للأصوات الشديدة و حالات الشعور العميقة للرضيع بل إنها تنطلق إستجابة للأشياء الحية و للوجوه المتحركة المرافقة للصوت البشري .
تظهر الإبتسامة الإجتماعية ذات التعبير الدافئ في ذات الوقت الذي يبدأ فيه الرضيع تمييز الوجوه البشرية التي يتطلع إليها و يتبادل الطفل هنا التحديق مع الراشد بدل التحديق بالأشياء و خلافاً لإعتقاد غالبية الأمهات بأن رضيعهن يفهمهن الأن تبقى الإبتسامة الإجتماعية المبكرة عشوائية لا إنتقائية إذ أن الرضيع يبتسم لوالدته و للآخرين من أعضاء الأسرة على السواء و لا يميز الأطفال الوجوه و لا يطلقون إبتساماتهم الإجتماعية المنتقاة حقاً إلا عند الشهر الخامس أو السادس تقريباً, إذ يبدأ الطفل في هذه السن بالإبتسام للوجه المألوف بدل الوجه الغريب بل أنه يبدأ ينفر من الغريب و يحذره.
المناغاة
يبكي الطفل و يتأوه أو يلغو خلال أسابيعه بسبب إحساسه بالألم أو باللذة و يتغير الصوت الذي يطلقه الرضيع في بداية الشهرين الرابع أو السادس إلى شيء من الغرغرة لدى سماع الأصوات أو مرأى الوجوه المتحركة.
و كما هو الشأن في نمو الإبتسامة الإجتماعية فإن صوت إبن الشهر الأول يشير إلى الإهتمام الإ جتماعي و يجر إهتمام الآخر و عطفه، مما يوسع إطار الإبتسامة لتغدو إستجابة مبدئية للمبصر و يميل صوت الأنثى الراشدة لإستثارة صوت الرضيع الأمر الذي يدل على نمو قدرة إبن الشهر الأول على التعرف على بعض خصائص صوت بضرب من التقليد الذاتي الذي ينقلب بعد تميزه إلى المناغاة .
و تتطور المناغاة عبر عدد من المراحل التي تشق الطريق للنمو اللغوي فتشمل الغرغرة حوالي الشهر الثالث أو الرابع مقاطع صوتية صافية و متميزة و في بداية الشهر السادس تزداد الأصوات العفوية التي يطلقها الرضع فيما بينهم وفي الشهر التاسع يكررون ما يسمعونه من أصوات الآخرين.
تقدم المناغاة بصرف النظر عما تعنيه بالنسبة للنمو اللغوي نمطاً عاماً من التقليد يشير إلى إهتمامات الرضيع الإجتماعية المتوسعة .
التقليد
يفوق التقليد كل السبل و الوسائل التي يتمكن الأطفال بوساطتها من النمو و التحول إلى راشدين ,يساعد تقليد الصغار للكبار في مراحل النمو كلها على إكتساب المهارات الإجتماعية المختلفة.
يبدأ سلوك التقليد مع بداية المناغاة و يمتد ليشمل تقليد حركة الآخرين و لا يتعامل الأهل في هذه المرحلة مع كائن يبتسم لهم أو يتطلع إليهم بل مع كائن يحادثهم عبر صدى أصواتهم و لا يهم أن يعرف الطفل ما يقول بل يكفي الوالد أن يسمع أنه يخاطب بـ ماما أو بابا حتى يطلق تعابير تحمل في طياتها كل ضروب العطف و السعادة و تغني تجربة الرضيع الإجتماعية .
يقود ميل الرضع لتقليد ما يرون أو يسمعون إلى العديد من أنماط التفاعل اللعبي مع الوالدين فيجد الأهل إنهم إن رفعوا أذرعهم فوق رؤوسهم و صاحوا كبير فإن الطفل يرفع يده هو الآخر و يصيح كبير أو بير أو رير.
فالتقليد تعبير واضح عن الإهتمامات الإجتماعية و لا يمر سلوك التقليد شأن الإبتسام عبر مرحلة عشوائية لا إنتقائية بل أنه و منذ البدء يكون تقليداً لأناس مألوفين يختارهم الرضيع بسبب ما ينشأ لديه نحوهم من تعلق متميز و فريد يؤدي إلى ضرب من التفاعل التبادلي الذي يعزز سلوكي التعلق و التقليد.
العوامل المؤثرة في السلوك
تشير أغلب الأدلة إلى حاجة الطفل للإثارة الإجتماعية لفائدتها في إستدعاء إستجابته الإجتماعية فقليل من العناية بالطفل أو الإبتسام له أو التحدث إليه بلغة ما يفيد في جعل علاقاته مع الآخرين إنتقائية تتميز الواحدة منها عن سائر العلاقات الأخرى.
كل الشكر والتحية لك على الجهد المميز