السلام عليكم ورحمة الله
دعا الله سبحانه وتعالى إلى تكوين الأسرة وحث على حمايتها والمحافظة عليها، ودعا الناس إلى أن يعيشوا في ظلالها، لأنها هي الصورة الطبيعية للحياة المستقيمة التي تلبي رغائب الناس وتتفق مع الفطرة الإنسانية قال تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30].
فهناك أهداف ومقاصد من وراء تكوين الأسرة في الإسلام:
أول هذه الأهداف والمقاصد هو تنظيم الغريزة الجنسية عن طريق عقد الزواج المشروع الذي أطلق الله سبحانه وتعالى عليه الميثاق الغليظ، حينما قال: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً} [النساء: 21].
وقد جعله الله سبحانه وتعالى آية من آياته، حيث إن الله سبحانه وتعالى لا يعبر عن الآية إلا في الأمور الهامة.
بالزواج يَنشُر الطُّهْرُ ضياءَه، ويُسْدِل العَفَافُ رداءَه، ويحصل الإحصان لمن استطاع الباءة، عندها تنحسِر المنكرات، وتظهر الخيرات والبركات، ويعيش المجتمع رفاهية الأمن الخلقي ورغد العيش الاجتماعي.
تجنباً لتعريفات الفقهاء للزواج، والتي تركز على جانب الاستمتاع بين الزوجين فقط، وبذلك تبتعد عن منطوق النص القرآني الذي جعل الزواج مودة ورحمة، لغاية السكن والاطمئنان؛ فإني أقترح تعريفاً للزواج، آمل أن يحقق الغرض العلمي المستمد من القرآن.
فالزواج هو: عقدٌ يُفيدُ حِلَّ العِشرة على قاعدة المودة والرحمة بين الزَّوجين، بالوجهِ المشروعِ، وتعاونهما مدى الحياة على القيام بالمسؤوليات والواجبات.
وقد شرع الله تعالى الزواج وحثَّ عليه ، لما يترتب عليه من مصالح عظيمة للفرد والمجتمع، وجعله على سبيل الدَّوام والبقاء، ووصفه بأنَّه سكن ومودة ورحمة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: آية 21]، ووصف عقد الزواج بأنَّه ميثاق غليظ، قال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً} [النساء: 21].
وأمر الزَّوجين بحسن التعامل والمعاشرة بالمعروف، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].
وحثَّ الإسلام الرِّجال على إكرام المرأة، وعلَّق وصف الخيرية على حُسن معاملة الزَّوج زوجته لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"(1).
ونهى عن العبث في العلاقة الزَّوجية:
أ _ بتحريم الظِّهار، قال تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} [المجادلة: 2].
ب _ وتحريم الإيلاء، قال تعالى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 226].
ج _ وتحريم تعليق الحياة الزوجية وتهديد المرأة بالطَّلاق، قال تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231].
د _ ووصف العبث بذلك بأنَّه اتخاذ لآيات الله هزواً، قال تعالى : {وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً} [البقرة: 231].
كلُّ هذا من أجل الحفاظ على الأسرة من التَّصدُّع والانهيار؛ وذلك لما يترتَّب على ذلك من أضرارٍ ومفاسد كثيرة.
وقد أعطى الإسلام للفتاة حرية اختيار الزوج، وحرم إجبارها على الاقتران بزوج لا تريده.
فالزواج عقد حياة لا بد أن تتوافر فيه الإرادة الكاملة والرضا التام لكل من الزوجين، فلا إكراه لأحد على زواج من لا يحب.
ولا يجوز ـ شرعاً ـ للأب أو الشقيق أو العم إجبار الفتاة على الزواج.
فحرية الاختيار هو عين العدل الواجب وهو الحق الطبيعي الذي منحه الإسلام للمرأة.
والزواج حياة مشتركة وعلاقة فيها مقصد الدوام والاستمرار وليس لقاء عابراً، وليس نزوة طارئة.
وقد قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل عقد يقع دون إذن المرأة باطل ومردود، وذلك فيما ورد عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ وَأَنَا كَارِهَةٌ، قَالَتْ: اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا، فَدَعَاهُ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ أَلِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ(2).
والزواج سبيل للتعاون، فالمرأة تكفي زوجها تدبير أمور المنزل، وتهيئة أسباب المعيشة، والزوج يكفيها أعباء الكسب، وتدبير شئون الحياة، قال تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
الحُبُّ والزواج:
تنمو عاطفة الحب الحقيقي بين الزوجين حينما تحسن العشرة بينهما، وقد نبتت بذوره قبل ذلك أثناء مرحلة الخطبة، وقد نمت المودة والرحمة بينهما وهما ينميان هذا الحب، ويزكيان مشاعر الألفة، وليس صحيحًا قول من قال: إن الزواج يقتل الحب ويميت العواطف. بل إن الزواج المتكافئ الصحيح الذي بني على التفاهم والتعاون والمودة، هو الوسيلة الحيوية والطريق الطيب الطاهر للحفاظ على المشاعر النبيلة بين الرجل والمرأة، حتى قيل فيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يُرَ للمتحابَيْن مثل النكاح"(3).
والزواج ليس وسيلة إلى الامتزاج البدني الحسي بين الرجل والمرأة فحسب، بل هو الطريق الطبيعي لأصحاب الفطر السليمة إلى الامتزاج العاطفي والإشباع النفسي والتكامل الشعوري، حتى لكأن كل من الزوجين لباسًا للآخر، يستره ويحميه ويدفئه، قال تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187].
وتبادل مشاعر الحب بين الزوجين يقوِّي رابطتهما، فالحب أمر فطر الله الناس عليه، وهو رباط قوي بين الرجل وزوجته، فهو السلاح الذي يشقان به طريقهما في الحياة، وهو الذي يساعدهما على تحمُّل مشاقَّ الحياة ومتاعبها.
ولقد اهتمَّ الإسلام بعلاقة الرجل والمرأة قبل الزواج وبعده وكان حريصًا على أن يجعل بينهما حدًّا معقولاً من التعارف، يهيئ الفرصة المناسبة لإيجاد نوع من المودة، تنمو مع الأيام بعد الزواج، فأباح للخاطب أن يرى مخطوبته ليكون ذلك سببًا في إدامة المودة بينهما، فقد قال صلى الله عليه وسلم لرجل أراد أن يخطب امرأة: "انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"(4).
ومع ذلك كان الإسلام حريصًا على وضع الضوابط الشرعية الواضحة الصريحة؛ لتظل علاقة خير وبركة.. وشدَّد في النهي عن كل ما يهوى بهذه العلاقة إلى الحضيض، ونهي عن كل ما يقرب من الفاحشة والفجور؛ فمنع الاختلاط الفاسد والخلوة، وغير ذلك.
ونتيجة للغزو الفكري للمجتمعات الإسلامية؛ بدأت تنتشر العلاقات غير الشرعية بين الشباب والفتيات قبل الزواج، تحت شعارات كاذبة مضللة، وبدعوى الحب والتعارف، وأن هذا هو الطريق الصحيح للزواج الناجح، وهذا الأمر باطل.
من دقق النَّظر فيما يحدث حولنا يجد أن خسائر هذه العلاقات فادحة، وعواقبها وخيمة، وكم من الزيجات فشلت؛ لأنها بدأتْ بمثل هذه العلاقات، وكم من الأسر تحطمت؛ لأنها نشأت في ظلال الغواية واتباع الهوى.
تكاملوتراحم
نحن لسنا ملائكة ولكننا بشر نخطىء ونصيب. فالإسلام جعل العلاقة بين الزوجين علاقة تكامل لا تنافس، قوامها المودة والرحمة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
وهذا التكامل أو الاندماج نتيجة أنهما من نفس واحدة ومن أصل واحد. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1]، وقوله تعالى في وصف العلاقة بين الزوج وزوجه: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة من الآية: 187]، وفي آية أخرى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [البقرة من الآية: 223].
فلا يوجد كلام أبلغ من هذا وأدق وأعمق في وصف العلاقة الزوجية، فاللباس ساتر وواق. والسكن راحة وطمأنينة واستقرار، وداخلهما المودة والرحمة.
المعاشرة بالمعروف:
خلاصة هذه الواجبات تتمثل في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء: 19].
والمعاشرة بالمعروف تتمثل في بشاشة الوجه وحسن الخلق وحلاوة اللسان والسؤال عن المرأة باستمرار، وعدم إفشاء أسرارها وعدم إيذائها لا بالكلام ولا بالضرب ولا بالتعيير فيقول لها أنت كنت كذا وأبوك كذا، بل الملاطفة، بل أكثر من ذلك يجب عليه أن يطيِّب نفس امرأته ويستمع إليها.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقاً مع نسائه، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي"(5).
وكان يسابق عائشة، وهذا من باب الملاطفة وسابقها مرة فسبقته، أول ما تزوجت وكانت خفيفة وصغيرة فسبقت النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مدة سمنت فسبقها النبي صلى الله عليه وسلم.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَالَتْ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ: "هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ"(6)، يعني بلغتنا واحدة بواحدة تعادلنا، مع أنه كان كبير السن.
واستَمَعَ للسيدة عائشة وهي تتحدث عن نساء، اثني عشرة امرأة حديث أم زرع المعروف، وهو حديث شيق ولطيف وطويل، وقعد النبي يستمع إليها وقال لها في الآخر: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع غير إني لا أطلقك"(7).
كل هذه الأمور مطلوبة من حسن العشرة.
فوائد الزواج وأهدافه:
شرع الله سبحانه و تعالى الزَّواج وحثَّ عليه لاشتماله على حكمٍ عظيمةٍ، ومقاصدَ جليلةٍ، وفوائد للزَّوجين والمجتمع، وتتلخَّص في:
أولاً: الأُنسُ والمودَّة والرحمة والاستقرار؛ إذ الإنسان اجتماعي بطبعه، فلا يستطيع الحياة ومواجهة مصاعبها ومشاقها وحده، فلا بدَّ من شريك يُعينه ويأنس إليه.
ففي الزَّواج صحةٌ نفسيةٌ وبُعدٌ عن الشعور بالوحدة والاكتئاب والقلق، وفيه إمتاعٌ نفسيٌ بإشباع الحاجات النفسية والجسمية، ومن أهمها حاجة الأمومة والأبوة وتربية الأطفال.
و من الأدلة عليه:
أ ) قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
ب ) قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ} [البقرة: 187].
هذا الاستقرار و السكن والمودة والرحمة لا تكون إلا بالدُّخول في عقد الزَّواج على جهة التَّأبيد والدَّوام:
أ / لأنَّه عقدٌ ليس المقصود منه تلبيةُ الرَّغبات والشهوات فحسب، بل المقصود الأصلي منه حصول النَّسل وبقاؤه، ومصلحة النَّسل تقتضي دوام الرَّابطة الزَّوجية وبقاءها، ولأنَّ ذلك يُحقق المقصود بصورةٍ أسلم وأتم في رعاية الأولاد، بعكس لو بُني العقد على التَّوقيت الذي يكون سبباً في ضعف الالتزامات الأبوية، أو زوالها مع حاجة النَّسل إلى ذلك(8).
ب / أنَّ عقد النِّكاح على التَّوقيت والتَّأجيل، يُقرِّبه من عقود الإجارات والأكرية، ويخلع عنه ذلك المعنى المقدَّس في نفس الزَّوجين من نيَّة كليهما أن يكون قريناً للآخر ما صلح الحال بينهما(9).
أ ) ينشأ في ظلها الأبناء تنشئة سوية كاملة في رعاية أب وأم حنونين مربيين، بخلاف الابن الضائع الذي لا يعرف أباه أو أمه، فينشأ غير سوي النفس، وغالباً ما يكون حاقداً ومجرماً.
ب ) يتعلّم في ظلها المرء ما له من حقوق وما عليه من واجبات، فتتكون المشاعر الإنسانية من إيثارٍ وحبٍ للغير، وتعوُّدٍ على تحمُّل المسؤولية، ويكتسب في ظلالها الصفات والخصائص الاجتماعية الأساسية، والدعائم الأولى للشخصية.
ج ) فيها دافعٌ نحو النَّشاط وبذل الوسع في تقوية الملكات والمواهب، لأنه ينطلق للعمل من أجل النُّهوض بأعباء الزَّواج، والقيام بواجباته، مما يؤدي إلى تنمية الثَّروة وكثرة الإنتاج، وإلى استغلال خيرات الله في هذا الكون، وما أودع فيه من أشياء ومنافع للناس، وهذا يؤدِّي بالتالي لنهضة المجتمع وتقدُّمه.
د ) تحصيل الأجر بالقيام على الأسرة والإنفاق عليها، لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ".. أن تدع ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم، ومهما أنفقتً فهو لك صدقة، حتى اللقمة ترفعها في فيّ امرأتك.."(10).
ثالثاً: تكوين علاقات بين الأسر.
فتترابط الأسر، وتقوى أواصر المحبة بين العائلات، مما يولِّد مجتمعاً قوياً مترابطاً متماسكاً.
قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]، وقال: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان: 54].
رابعاً: الشعور بالمسؤولية.
فالتعليم والتربية في هذا العصر صاغ حياة الشاب والفتاة بصورة تجعل الفرد يعتمد على غيره، ولا يتحمل المسؤولية، فهو يسير في الدراسة ستة عشر عاماً أو أكثر، وخلال فترة الدراسة ليس له دخل ثابت؛ فهو يعتمد على أهله في الأغلب، والحاجة للمسؤولية حاجة مهمة للشاب، والزواج ينمي هذه الحاجة لديه.
خامساً: إنجاب الأبناء.
وفي الإنجاب فضائل كثيرة تستدعي طلبه، وتحمل على الرغبة فيه، وهي:
أ) تكثير النسل، للحديث الذي رواه أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: "تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم"(11).
ب ) الإبقاء على النَّوع الإنساني من الانقراض، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالزَّواج، لأنَّ الإباحة المطلقة تؤدي إلى التَّزاحم على النساء، وهذا يؤدي إلى التَّباغض والتَّشاحن والتَّقاتل، وكذلك تؤدي إلى عدم الرَّغبة في الإنجاب لعدم الرغبة في تحمُّل مسؤولياته وتبعاته، وإذا حدث الإنجاب لا يكون للأبناء آباء معروفون يُعنَون بتربيتهم، فيكون مآلهم الضياع .
ج ) ما فيه من عِزٍ للأب وقومه، ومنعة للمجتمع، وحفظ لاسم الأب والعائلة.
د ) وجود خَلَف ينتفع به، وتُرجى الرَّحمة بدعائه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له"(12)، وحديث أبي هريرة: "إنَّ الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب، أنى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك"(13).
سادساً: الحفاظ على الأعراض والأنساب، وصيانتها من الضياع والاختلاط.
ففي الزَّواج حفظ الأخلاق وحماية المجتمع من الفساد، وتحصين الشباب ضد الانحراف(14).
سابعاً: قضاء الوطر؛ بإشباع وإرواء الغريزة الجنسية.
فالإسلام لم يأت بالتَّرهُّب وقطع الشهوة، وإنَّما جاء بتهذيبها وتوجيهها والسُّمو بها من مجرد غريزة حيوانية، إلى أعلى درجات المودَّة بين الزَّوجين لحديث: "لم نَرَ للمتحابِّين مثل النِّكاح"(15).
فإذا أشبع الإنسان غريزته هدأ من الاضطراب، وسكنت نفسه من الصراع، وكفَّ عن التَّطلُّع إلى الحرام، واطمأنَّ إلى ما أحلَّه الله، وإذا لم يشبعها انتابه القلق والاضطراب، ونزعته نفسه إلى الشر والسوء.
وقد جاءت الإشارة إلى هذا الأمر في أحاديث نبويةٍ كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها :
أ ) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج؛ فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"(16).
ب ) حديث جابرٍ رضي الله عنه وفيه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله؛ فإنَّ معها مثل الذي معها"(17)، وفي رواية: "فإنَّ ذلك يردُّ ما في نفسه"(18).
ثامناً: الاقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم
عندما قال ـ رداً على الذين أرادوا الابتعاد عن الدنيا ـ كما في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه: "لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني"(19).
وهي سنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبل، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرَّعد: 38].
تاسعاً: فيه إكمال لشطر الدين.
فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه؛ فليتق الله في الشطر الباقي"(20)، وفي رواية للبيهقي: "إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين؛ فليتق الله في النصف الباقي"(21).
وإنما كان الزواج نصف الدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الآخر:"من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة"(22)، فإذا تزوج أعف مابين رجليه.
عاشراً: فيه سبب لعون الله وتوفيقه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله"(23).
ب ) قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ} [البقرة: 187].
صدق الله العظيم
الف شكر
أم سيرين