الحذر الحذر من أسقام النفوس!
– : " إيه أنت، تعالي هنا أيتها الحمقاء!"
– :"يالك من جاهلة!"
_ : " ما هذه النكهة الغريبة في طعامكم؟"
ثم تليها ضحكات ساخرة، وكلام بذيء…تلك كانت حالتها وذاك ديدنها، وكل من حولها يسمونها بالمتعجرفة السيئة الخلق، السليطة اللسان، فلا يكاد لسانها يسلم منه أحد صغيرا كان أم كبيرا، حتى غدت عنوانا لكل خلق سيئ، وقد يُتحدث عنها من باب التبرؤ منها ومن صفاتها، أو يضرب المثل بها ، حتى يُجتنب فعلها، …
الكل يتحاشاها، كما أن الجميع يئس من تغيرها، ولو رأيت أحدا معها متحدثا، فحتما مداراة منه لها، اتقاءً منها ومن شرها، …من لا يعرفها أو يراها دون سماعها، يظن أنها مجرد إشاعات تلك التي حيكت عنها، فوجه صبوح كوجهها، لا يملك تلكم الصفات، لكن ما إن يحدث بينه وبينها تواصل، حتى تفوح منها رائحة ذمامة خلقها، فتنفر النفس وينقبض القلب
…
واحدة فقط كانت تنتظر اليوم الذي فيه ستتغير، وترجوه بشدة، وتثق في الله تعالى أنه كائن لا محالة،! تراها في ظلمة الليل ترفع يديها ضارعة إلى ربّ البرايا، بدمعات ساخنة، وقلب وجل ، فقد تموت فمن يكون لها بعدها؟!، إنها أمها ذاك العطاء اللامحدود، والحنان اللامشروط
_ : "..أمي لماذا أنت هكذا؟، أتظنين أن لا عقل لي؟!، يالك من امرأة!"،
هذا كان جوابها عند كل تنبيه أو نصيحة، وهذا إن نادتها ب: أمي، فكثيرا ماكانت تناديها باسمها!!
فالأم المسكينة لم تكن بمنأى عن أذى هذه الشخصية غير السوية
وتمر الأيام، والحال باق على ما هو عليه، لكن سنة الحياة أن دوام الحال من المحال، تمرض الأم وتُعلم الدنيا أنها دار شقاء لا سعادة، دار فناء لا بقاء، وإنما السعيد فيها من عبد ربه حق العبودية، وائتمر بأمره، واجتنب نواهيه، وترسّم خطى نبيه صلى الله عليه وسلم ، الذي كان خلقه القرآن، وإنما البقاء هو لأثر حسن، وخلق صالح، تستمر نفحاته، حتى لو أصبح صاحبه مجرد ذكرى
لعلها ظروف الحياة.. أو لعلها تقلبات النفس، لا، بل ربما النفس أضناها السوء، فعطشت لخير وصلاح، …وسواء كان ذا أو ذاك، إلا أن صاحبتنا تراه دعوة أمها الصادقة الموقنة بالاستجابة، ولطف اللطيف بها سبحانه، إذ رويدا رويدا، وعت أنها في خطر، وأن عليها التغيير، فلا القريب ظل بقربها، ولا البعيد فكر بها، لم تحصد سوى ما زرعته بلسانها
الأدب…
الأخلاق..
ما معناهما؟!!
وكأنها لأول مرة تتشرف بالتعرف عليهما.
عادت إلى صوابها، وبدأت تفهم أنها لم تكن سوى مثل سيئ يضرب!، وأنها إنما أضرت بنفسها، فكل قريناتها تزوجن وأنجبن، وهي ما جنت سوى زيارات لخطَاب فروا بعد أول لقاء، بل منهم من نوى خطبتها فسبقه صيتها ثم شكر ربه فعدل
سدت كل الأبواب في وجهها، بعد أن أحكمت غلقها بسيئ عباراتها،حتى قطط حارتها، لم يسلمن من صدق إيذائها…صورة قاتمة تلك التي بصمتها في دفتر حياتها.
هي الآن فهمت وتعلمت، وندمت وتألمت، وسألت ربها الغفران
كومة من الأذى هي ما خلفت..
ترى هل ستعيد ما ضيعته؟
هل سيلتئم من وما جرحته؟!
هل وهل وهل ؟!…
وأخيرا هل سيُصدق أنها تغيرت؟!
قد تكون هذه صورة ملموسة لسيّئ الخلق، والحمد لله رب العالمين أن صاحبتنا فضلا منه تعالى، شفيت من هذا المرض الخطير، بعد أن عرضت نفسها على كتاب ربها، وهي الآن تجتهد في تصحيح الفساد الذي طال واستشرى في نفسها، وتحرص على إصلاح قلبها
فلتراقب كل منا نفسها، ولتحذر أن يتسلل لها هذا الداء العضال، ولتنظر ما الشر الذي حذر منه الحبيب -صلى الله عليه وسلم، فتجتنبه، وما الخير الذي دل عليه المصطفى -صلى الله عليه وسلم، فلتلزمه، فلا يُؤمَن من هذا الداء الذي لو تمكَن من صاحبه لهلكه
(فإن النفس قد تجمع قوة وضعفا، فالأخلاق الذميمة يولد بعضها بعضا، كما أن الأخلاق الحميدة يولد بعضها بعضا)، كذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى.
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: * وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقا*
رواه أحمد وحسنه الألباني
قال الفضيل بن عياض
" لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيئ الخلق "
جزاك الله خيرا و بارك الله فيك
اللهم إهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا انت