يوجد كثير من العوامل تؤثر على معنويات الطفل.. ومن أشد ما يؤثر عليه هو الكلام فهذه تجربة أم مع طفلها.
أم تعاني من حالة ابنها تقول: الكل ينادي ابنها "الفيل" و"الدب" وهو يرفض الذهاب إلى المدرسة لئلا يتعرض لسخرية أقرانه.
فلقد عرضت الأم مشكلتها على استشاري نفسي وقال لها -وابنها يسمع-: إن الأمر سهل وبسيط وسيكلفك مبلغا زهيدا.. فنظر إليه الطفل باستغراب وهو يقول له: احمل مرآة صغيرة في حقيبتك أو جيبك… وإذا سمعت أحدا يقول: "فيل" "دب" أخرجها وانظر للمرآة وقل له: "لا، لست فيلا ولا دبا بل هذا وجه جميل خلقه الله ومنحني إياه، الحمد لله الذي حسن خلقي وخلقي وابتسم"، واقتنع الابن بهذه الفكرة .. وطبقها في أول يوم ونجحت وتخلص من زملائه الساخرين لأنهم توقفوا بعد أن رأوا عدم جدوى سخريتهم .. وتخلص هو من آثار السخرية لأنه توجه لجمال خلقه ومعجزة خالقه وبدأ يشكل صورة إيجابية عن ذاته.
بل تعدى هذا … وعمل باقتراح اقترح عليه وهو شراء حبل طويل والدخول في مسابقات جر الحبل … وكان ينتصر دائما، وبهذا تقبل ذاته أولا ثم انتقل إلى الشعور بقوة ما يملك.. فهذا الوزن الزائد أصبح نقطة قوة لديه.
إن أهم خطوة ينبغي التركيز عليها في بداية معالجتك لآثار ما يتعرض له ابنك التقليل من أهمية الكلام الذي يسمعه من زملائه بالمدرسة وعدم إظهار تأثرك بما يحكي لك … لا تبرزي مشاعر غضبك وأسفك … بل قابلي شكاواه بنوع من البرود الهادف إلى التقليل من الأمر واحتقار ما يقوله الزملاء.
إن إظهار تأثرك وإبراز مشاعرك وتعاطفك سواء بلفظ أو بلغة الجسم وملامح الوجه … سوف يقوي لدى ابنك مشاعر الإحباط والألم الناتجة عن السخرية وبالتالي يفقده ثقته بنفسه ويبدأ في رحلة انعدام التقبل الذاتي التي تحول حياة الإنسان إلى سلسلة من المشكلات مع الشكل والذات.
وهناك آثار يتعرض لها الابن كتعرض الطفل لتوقعات مبالغ فيها يمكن أن تجعل فترة ما قبل المراهقة محضنا للاضطرابات النفسية والتربوية … لأن الطفل يصل هذه المرحلة وهو يحمل صورة سلبية عن ذاته ويشعر بالنقص والضعف.
وقد يبدأ سلسلة من المقارنات بين شكله وشكل غيره… ويشعر أنه بدين غير جميل.. ومهما حاول أن يحسن من وزنه وشكله وغيرهما فلن يستطيع تخطي هذا لأن شعوره السلبي متجذر في أعماقه الداخلية ويخفي معه اضطرابا نفسيا عميقا.
ونعالج هذا الشعور السلبي الداخلي بعدة نقاط:
· المربون ينبغي أن يتخلصوا من أساليب تحطيم المعنويات لدى الأطفال من مقارنات وتوقعات ضخمة لسلوك الكمال المطلوب لدى الطفل.
· ينبغي تقوية الثقة بالنفس يوميا من خلال إبراز صورتهم الإيجابية عن أنفسهم ومدحهم.
· تنشئة الأطفال على قيمة الجمال وأهمية الجمال في حياة الإنسان وملامح الجمال المتعددة (جمال العقيدة وجمال الروح وجمال الأخلاق وجمال العلم والتفوق والنجاح والنظافة… جمال الحب وجمال العلاقات الاجتماعية وجمال الكون والطبيعة والورود.. جمال المشاعر وجمال الحياة.. جمال الجنة وما فيها.) إن قيم الجمال التي يتشبع بها الطفل ستُكَوِّن لديه حصيلة كبيرة لمقاييس الجمال الحقيقي وستجعل منه إنسانا يشعر بغنى كبير، كونه يمتلك جمالا كبيرا في شخصيته (أخلاقه، معتقداته، مشاعره، تفوقه، نجاحه، علاقاته، إيمانه بالله)، وهذا من شأنه أن يملأ كيانه جُمَلا داخلية تحميه من سخرية أقرانه بشكله أو وزنه… فهو لديه الجمال كله بداخله.
فهل كلماتنا لأبنائنا لها تأثير على مستقبلهم؟
يمتلئ عقل الطفل عادة بالأسئلة، وربما كان أعظم هذه الأسئلة يدور حول: "من أنا؟"، و"أي نوع من الأشخاص أنا؟"، و"أين مكاني؟".
هذه أسئلة تعريف الذات، أو الهوية، التي نبني عليها حياتنا عندما نكبر، والتي نستمد منها جميع قراراتنا المهمة، ولذلك فإن عقل الطفل يتأثر بدرجة ملحوظة بعبارات تبدأ بكلمة "أنت".
وسواء أكانت الرسالة "أنت كسول جدا" أم "أنت طفل رائع" فإن هذه العبارات التي يطلقها "الكبار" المهمون سوف تتسرب بثبات إلى أعماق لاوعي الطفل. ولقد سمعت كبارا عديدين يسترجعون في أثناء الأزمات التي يتعرضون لها في حياتهم ما قيل لهم في طفولتهم:"أنا عديم الفائدة، أعرف أنني كذلك".
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
…………………………..
· الأطفال المزعجون د/ مصطفى أبو سعد.
إعداد: فاطمة الزهراني
مشكووووووورة