إن فن الحديث لا يعني أن يكون الإنسان مذياعاً مخروقاً لا يسكت ، ثرثاراً لا ينقطع ، إلا بانقطاع أنفاسه ..!!إنما فن الحديث أن تجعل أحاديثك شجية ، فيها إثارتها ، ولها رونقها ، وإن قل أو طال الوقت الذي تقضيه مع الطرف الآخر ، ذلك يجعل لأحاديثك نكهتها الخاصة المميزة ، التي يترقبها المحيطون بك ،حيثما حللت ، أو رحلت أو نزلت ،
ولعل هذا يجعلك مندرجاً في التشبه بعيسى عليه السلام حيث حكى القرآن أنه قال:
( وجعلني مباركاً حيث كنت ) ..
فاحرص أن تكون مباركاً حيثما كنت..!
إن من ادب وفن الحديث أيضاً : أن تحسن اختيار المفردات والألفاظ والجمل ، كما تحرص على حسن اختيارالمعاني والأفكار ، فتغدو أحاديثك أشبه بالمطر تشتاقه الأرض بعد جفاف طويل ،فينبت الله به ألواناً من الخيرات والبركات والمباهج ، ويفجر به عيوناً عذبةبعد عيون ! فيخرج الله به حدائق ذات بهجة !!إن الله تعالى ما خلق للإنسان لساناً في فمه ليديره باستمرار في لغو الحياة ، وهزل القول ، وأباطيل الكلام .
كلا ، إن اللسان نعمة عظيمة من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان ، وعلى العاقل _ ذكراً كان أم أنثى _ أن يفكر كثيرا وطويلاً ، كيف ينبغي له أن يؤدي شكر هذه النعمة الجليلة ، حتى لا تكون نقمة عليه ، وحسرة وندامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ،
ولقد ورد في الحديث أن أكثر من يدخل الناس النار هو هذا اللسان !إن شكر النعمة ليس مجرد كلمات تقال ، ولا كف يُقبّل ظاهرها وباطنها ،ولكن الشكر في حقيقته وجوهره : عمل في الصميم ..!كما قرر ذلك الله سبحانه حيث قال :
( اعملوا آل داود شكرا ، وقليل من عبادي الشكور )
ومن ثم فإن شكر نعمة اللسان هو أن تحرص غاية الحرص ، أن تجعله لا يدور إلا في مرضاة الله سبحانه ، وما يزيدك قربا منه ،فلا تسمح له أن يتعدى دوائر مرضاة الله تعالى بحال ، قال تعالى
🙁 لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف …)
فإذا أصبح لسان الإنسان مستقيما على أحد من السيف ، فإن عداد حسنات هذا الإنسان ستبقى تدور بلا توقف ، والملائكة الكرام تدوّن باستمرار في سجلاتهاأنوارا سماوية ، تدخرها له ليوم عصيب يبحث فيه كثير من الناس عن حسنةلعلها وعساها ..!
رابط في هذه الدائرة والزمها ، واحرص عليها ، وتمسك بمن تراه يحوم حولها ،ويشدك إليها ، ويدربك عليها ، فلابد أن تنصب على قلبك أنوار هذا المسلك ،بل إنك إذا لازمت هذا الطريق ، ستنصب عليك الخيرات حيثما كنت ، من حيث تحتسب ولا تحتسب ..! لأن الله سيضع لك القبول في قلوب الخلق ..
ونعود فنقول : إن من أدب الحديث أيضاً ..أن لا ترفع صوتك فوق ما يحتاجه السامع ، فإن رفع الصوت رعونة وإيذاء ،وقد تضيع كثير من المعاني وسط الضجيج ، ومع عدم رفع الصوت لا تنسىأن تُقبل بكلية وجهك على محدثك ، ولا تنصرف عنه حين يحدثك أو تحدثه ،بل أشعره باهتمامك به ، وحسن إصغائك له ،
فإذا كنت وسط جماعة من الناس يصغون إليك ، فحاول أن تعط كل واحد منهم حقه من إقبالك عليه ، فإن لكل واحد منهم نصيبا منك ، فلا تجعل إقبالك كله على شخص بعينه واهمال الآخرين فإن هذا يؤذيهم !
وخلال هذا الفيض الذي يكرمك الله به ، ويفتح به على قلبك ، لا تغفل أن تكون باشاً هاشاً فياض الأسارير ، مهتاج القلب بالمعاني ،اللهم إلا إذا كانت طبيعة الموضوع لا تستدعي الابتسام ، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الابتسام ، مشرق الوجه ،غير أنه إذا خطبَ أحياناً يحمر وجهه كأنه منذر حرب !فلكل مقام مقال ..!
ومن ادب الحديث أيضاً :أن تحرص على أن تخاطب الآخرين على قدر عقولهم ، وتلك معاناةتحتاج إلى فراسة ودراية بنفسيات الناس ، كما تحتاج إلى حكمة ودقة فياختيار الموضوعات وطريقة عرضها ، وليس شيء من ذلك تستطيعه إلا بتوفيق الله ومدده ، فاستعن به وحده ولا تعجز ..وانتفع بتجارب الآخرين ..
ومن ادب الحديث أيضاً ..أن لا تطيل حيث ينبغي الاختصار ، ولا تبتر الحديث حيث ينبغي الإسهاب ،تلتقي بأناس في وليمة فيتحدث أحدهم فيطيل حتى الملل ، وأعين الناس تتردد على الباب ، متى سيحضر الطعام ، لعل هذا يصمت !! وقد تتردد عيونهم على ساعات معاصمهم ، وصاحبنا لا يزال يتدفق في حديثهغير مبال ولا مكترث !!فتأتي النتائج على غير ما يحب !!
وبعد ..إن الحديث عن أدب اللسان ، وفن الكلام ، طويل ذو شجون ،لا يملك مقال مثل هذا أن يحيط بأطرافه ، والخلاصة الموجزة : أن صاحب اللسان الطيب العذب ، العفيف أقرب إلى الله تعالى ،وأحب إلى قلوب الناس كذلك ، وهو بهذا المسلك ( من خلال التحكم في هذه العضلة الصغيرة في فمه ) يدلل على عظمة الإيمان في قلبه ، ويبرهن على تقواه ، ففي الحديث الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه ، حتى يستقيم لسانه " ..
فهل ترانا نتواصى ولا نكل من هذا التواصي بمثل هذه المعاني ،لعل نفحة سماوية ربانية تهب على قلوبنا المكدودة فتنعشها وترطبها !.؟إننا مطالبون دائماً بذلك لنسعد السعادة الحقيقة في دنيانا ، ثم نفرح الفرحة الكبرى في الآخرة ، ويبقى أن نذكر أنفسنا أن أهل الجنةلا يقولون لغوا ، ولا يتحدثون إلا بخير ، وتبقى مجالسهم سماوية نقية صافية ،فلماذا لا نحاول أن نتشبه بهم منذ الآن ، لعلنا نهيئ أنفسنا ليلحقنا الله بهمفي تلك الأجواء الربانية !!
قال الشاعر :إن الكلامَ من الفؤادِ وإنما ** جُعلَ اللسانُ على الفؤاد دليلا
وقال الآخر :احفظ لسانك واستعذ من شره ** إن اللسان هو العدو الكاشحوزن الكلام إذا نطقتَ بمجلسٍ ** فإذا استوى فهناك حلمك راجح
وقال ثالث :لسانك لا تذكر به عورة امرئ ** فكلك عورات وللناس ألسنُ !!
مما راق لي اسال الله ان ينفعنا به
"إن فن الحديث لا يعني أن يكون الإنسان مذياعاً مخروقاً لا يسكت"
شكرا على الموضوع الجميل
ويبقى أن نذكر أنفسنا أن أهل الجنةلا يقولون لغوا ، ولا يتحدثون إلا بخير ، وتبقى مجالسهم سماوية نقية صافية ،
اللهم اجعلنا من بينهم برحمتك يا الله
شكر الله لك المرور حبيبتي عصفورة
موضوع قيم ومميز بارك الله فيك حبيبتي وجعلها في ميزان حسناتك ان شاء الله.
احلى تقييييييييييييم
وأنا أعجبني كثيرا
فاحرص أن تكون مباركاً حيثما كنت..!
اللهم انفعنا بما علمتنا وزدنا من فضلك
في ميزان حسناتك ان شاء الله .
شكرا على موضوعك الهادف
نور الهدى1
شكر الله لكما المرور ونفع بكما