مستفاد من: شرح الإبانة الصغرى – الدرس 13 | للشيخ: محمد بن هادي المدخلي
هذه الجنّ هذه الشَّياطين لا تعلم الغيب، لو كانت تعلم الغيب لنفعت أنفسها، حينما كانت مسخَّرة لسليمان- عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصَّلاة والسَّلام-، فكانت تعمل وهو ميِّتٌ واقفٌ على عصاه، سنةً كاملةً، وهم يعانون ألما أليمًا، كما قال ذلك قتادة وغيره من السَّلف -رحمهم الله تعالى-، يعانون ألما أليمًا من العمل سنةً كاملة، يعملون بين يديه وهو قائمٌ يظنونه حيًّا؛ ينظر إليهم، أمامهم، فهذا من أعظم العبر معشر الإخوة! الجنّ أمامها سُليمان تراهُ واقفًا ولا تعلم أنهُ ميِّتٌ، فإذا كان لم تعلم الَّذي أمامها؛ فكيف بما غُيِّب عنها؟! فكيف يُزعم أنَّها تعلم الغيب؟! -نسألُ الله العافية والسَّلامة-، يقولُ الشَّيْخُ – رَحِمَهُ اللهُ -:
أمَّا النُّجُومُ فَزشَيْنٌ لِلسَّمَا ورُجُو *** مًا للشَّياطِينِ طَرْدًا لاسْتِمَاعِهِمِ
كما بِها يَهْتَدِي السَّارِي لِوِجْهَتِهِ *** في البَرِّ والبَحْرِ حيثُ السيْرُ فِي الظُّلَمِ
والنَّيِّرَيْنِ بِحُسْبَانٍ وذلكَ تَقْـ *** دِيرُ العَزيزِ العَلِيمِ الْمُسْبِغِ النِّعَمِ
فمَنْ تَأَوَّلَ فيها غيْرَ ذاكَ قَفَا *** ما ليْسَ يَعْلَمُهُ فَهو الكَذُوبُ سَمِ
كَالْمُقْتَفِينَ لِعُبَّادِ الْهَياكِلِ فِي *** عَزْوِ التَّصَرُّفِ والتأثِيرِ للنُّجُمِ
والكاتِبِينَ نِظامًا في عِبادَتِها *** عَقْدًا وكَيْفًا وتَوْقِيتًا لِنُسْكِهِمِ
فَذَا سُعُودٌ وذَا نَحْسٌ وطَلْسَمُهُ *** كَذَا وناسِبُهُ ذا كمْ بِخَرْصِهِمِ
فالشَّاهد: هذا سعد السُّعود، وهذا نحسٌ، هذا الدَّبران، وهذا كذا، وهذا كذا .كما كتب "الرَّازي السِّرِّ المكتوم في مخاطبة النُّجوم"، الرَّازي صاحب التَّفسير. وهو كفرٌ بالله صراحٌ، كما ذكر ذلك العلماء الَّذين وقفوا عليه -نعوذُ بالله من ذلك-. فالشَّاهد: هذه الأبيات من أجمل ما ذكرها وناومها الشَّيْخُ حافظ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في "ميميته":
والكاتِبِينَ نِظامًا في عِبادَتِها *** عَقْدًا وكَيْفًا وتَوْقِيتًا لِنُسْكِهِمِ
فَذَا سُعُودٌ وذَا نَحْسٌ وطَلْسَمُهُ *** كَذَا وناسِبُهُ ذا كمْ بِخَرْصِهِمِ
وافق بأمر الله إنْ حصل كذا على ما ذكروا، فظنُّوا أنَّ هذه الهياكل لها أثر، وهذا شرك قوم إبراهيم، -عياذًا بالله من ذلك-.
فالشَّاهد: أنَّ التَّنجيم يبدأ هكذا، وينتهي بالكهانة، وادِّعاء علم الغيب، ومعرفة المغيبات، فينتهي بالشِّرك، -عياذًا بالله من ذلك-.
وهذا -كما قلنا الآن – للأسف يسمُّونه: علم الأبراج، نعم، علم شياطين، أبراج الشَّياطين.
وقد قلتُ لكم غير مرَّةٍ: قد سمعتُ هذا في إذاعة «مونتي كارلو»، فعندهم كذَّابٌ كبير اسمهُ: إبراهيم حزبون، وأنا أسمِّيه: إبراهيم شيطون؛ لأنهُ يفسِّر للنَّاس، واليوم عطارد سيكون كذا، وعلى درجة كذا، واليوم المريخ سيكون كذا، على درجة كذا، واليوم أنت عندك فرصة عمل ستظفر، وأنت اليوم عندك فرصة للتَّعاملات المالية لأنهُ وقت ربح، اليوم الحوت كذا، الوقت غير مناسب، الَّذي عنده زواج لا يفعل، وهكذا. فسمعتُ حلقةً كاملةً من هذه الحلقات في الرَّاديو، في إذاعة «مونتي كارلو الدولية» الَّتي تنشر مثل هذه المنكرات، وغيرها كثير. لكن! الشِّرك بالله ليس فوقه شيءٌ!. ويزعمون لهُ هذا الاسم: العالم الفلكي، وهو الشَّيطان المتخرّص؛-نسألُ الله العافية والسَّلامة-، فالمقصود: النَّاس يرونَ هذا اليوم علمًا، وهو في الحقيقة كما قال السَّلف: "من اقتبسَ شعبةً من النُّجوم، فقد اقتبسَ شعبةً من السِّحر".
فالنُّجوم خُلقت لهذه الأشياء الثَّلاثة: زينةً للسَّماء، ورجومًا للشَّياطين، وعلامات يُهتدى بها.
هذه الَّتي نصَّ الكتاب العزيز عليها، وبها جاءت سُنَّة رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما عدا ذلك فهو محرَّمٌ؛ لأنهُ يجرُّ صاحبه إلى التَّنجيم، ويوقعه في الشِّرك، وذلك بادِّعائه علم الغيب،-عياذًا بالله من ذلك-.
ميراث الأنبياء