وادٍ طويل وجاف، يقع على الضفة الغربية لنهر النيل في مصر العليا؛ منطقة طيبة القديمة، أطلق عليه الباحثون اسم وادي الملوك Valley of the Kings، حيث دفن فيه فراعنة المملكة المصرية الحديثة الذين حكموا بين 1534ـ 1078ق.م. ويسمى محلياً بيبان الملوك، وبجواره يقوم وادي الملكات، أو بيبان الحريم الذي دفنت فيه الملكات ونساء الفراعنة. في هذا العصر شهدت مصر القديمة نهضة عمرانية لا مثيل لها، وأخذت العمارة الدينية طابعاً جديداً، فبعد أن كان قبر الفرعون ومعبده كتلة معمارية واحدة ـ تعد الأهرامات القبور الهرمية أفضل مثال عنهاـ حصل في عصر المملكة الحديثة تحول مهم، وتم فصل قبر الفرعون عن معبده. كما تدل قبور ملوك الأسرات الثامنة عشرة حتى العشرين في هذا الوادي. وتشير النصوص الهيروغليفية القديمة إلى أن أسباباً أمنية تعلقت بالحفاظ على القبور وحمايتها من النهب كانت الدافع الأساسي لهذا التحول الذي تمثل في حفر القبور مخفية تحت صخور الوادي وترابه، في حين شيدت المعابد في السهول المكشوفة. لقد انتشر نهب القبور ذات المقتنيات النفيسة في مصر القديمة على نطاق واسع، ونشأت مجموعات متخصصة في عمليات السطو التي حصلت أحياناً في وضح النهار. وتروي النصوص القديمة عن فوضى واضطرابات، وخاصة في عهد الملوك الرعامسة، وعن حالات نهب محدَّدة وفضائح وتخاذل في ملاحقة اللصوص وعن مراحل تشديد في الحراسة وتقارير دورية عن حالة القبور، وعن إنشاء محاكم خاصة لمحاكمة اللصوص، ترأسها وزير الدولة ودخل في عضويتها الكاهن الأكبر وكبار موظفي البلاط وقادة الجيش.
تتشابه قبور وادي الملوك مع بعضها في أجزائها الأساسية وفي شكلها العام بالرغم من الاختلاف في التفاصيل، فهي كلها قبور محفورة في الصخر، تحت الأرض، تتمركز في معظم الأحيان نحو محور طولاني، وهناك قبور بمحور مائل بدرجات متفاوتة أولها محور قائم، وهي تتألف من مدخل (باب) يقود إلى ممر طويل وضيق ومؤلف من عدة أجزاء بعضها أدراج، على جدران هذا الممر تقوم الكوات والغرف الجانبية، وفي نهايته توجد غرفة الدفن حيث التابوت وفيه الجثة المحنطة (المومياء) وتجاورها غرف ملحقة أخرى تحتوي على الأثاث الجنائزي المتنوع والثمين، وهي غرف ترتفع على أعمدة، ويمكن أن تتألف من أكثر من طابق.
من أهم قبور الأسرة الثامنة عشرة قبور تحوتمس الأول Touthmosis وتحوتمس الثالث وتحوتمس الرابع وأمنحوتب الثاني Amenhotep وأمنحوتب الثالث، ولكن أغناها كان قبر توت عنخ آمون Toutankhamonت1354ـ1345ق.م؛ وهو الفرعون الذي عاش في مرحلة اضطرابات كبرى تبعت موت الفرعون الموحِّد أخناتون Akhenaton، ومات فتياً وحفر له على عجل قبر عادي هو أقل فخامة من غيره لكنه الأكثر شهرة وغنى بالكنوز والآثار. تألف القبر من مدخل بدرج يليه ممر يقود في نهايته إلى صالة الدفن الوحيدة المزخرفة، وبجوارها صالة حفظت فيها كنوز الأثاث الجنائزي. لقد كان هذا القبر الوحيد الذي وصل إلينا من دون أن يخربه اللصوص الذين لم يفلحوا في البداية في العثور على موجوداته الثمينة، كما أسهمت أنقاض قبر رمسيس السادس في إخفائه إلى أن كشف عنه في عشرينات القرن الماضي من قبل الإنكليزي هوارد كارتر H.Carter، واستخرجت منه آلاف المكتشفات الفريدة في قيمتها العلمية والفنية والتاريخية، بينها العربات والتوابيت والتماثيل الذهبية وغيرها من اللقى التي تعد درة مقتنيات المتحف المصري في القاهرة.
ومن قبور الأسرة التاسعة عشرة هناك قبر رمسيس الثاني Ramses II الضخم الذي لم ينجز بالكامل، وقبر سيتي الأول Seti I وهو أكبر قبور طيبة وأهمها يفضي إليه مدخل بطول 100م، يؤدي إلى مجموعة غرف على أعمدة ومن طابقين. وهناك قبور فراعنة الأسرة العشرين وبينهم الرعامسة الأول والثالث والرابع والسادس والسابع والتاسع، وقبر الملكة حتشبسوت Hatshepsout المؤلف من ممر طويل ومائل ينتهي بدرج يقود إلى غرفة الدفن، وقبر الملكة نفرتيتي Nefertiti الزوجة الثانية لرمسيس الثاني. إضافة إلى الفراعنة وزوجاتهم وأولادهم فقد دُفن في وادي الملوك كهنة وموظفون كبار أيضاً.
زخرفت هذه المدافن الملكية بمشاهد متنوعة رسمت بالألوان أو نُحتت واحتوت على موضوعات ميثولوجية دينية، ونصوص كتابية بينت اعتقاد المصريين القدماء باستمرار الحياة الآخرة، وبأنها تساعد الملك على الاتصال بالآلهة والانتصار على الموت والمرور إلى عالم الخلود في قبره «بيت الأبدية».
شدت مدافن وادي الملوك الاهتمام منذ زمن طويل فكتب عنها المؤخرون القدماء مثل سترابون Strabon وديودور الصقلي Diodore de Sicile، كما وصفتها حملة نابليون على مصر. وهي تخضع باستمرار منذ نحو القرنين حتى اليوم لأعمال ترميم دقيقة، خاصة الرسوم، ولأعمال تنقيب مستمرة ومتطورة تؤدي إلى الكشف عن المزيد منها وتشارك فيها بعثات مصرية وعالمية، كما فتح بعضها للسياح فعدت إحدى أهم المعالم الحضارية والسياحية في مصر والعالم.
عسى الصراط ممشاك و الكوثر مسقاك
بارك الله فيك