وبالمثال على ذلك أن تتخذ من الثياب ما يتقيك البرد والحر، وتتخذ من الدروع للتجنب بها سهام الأعداء، وتبني الحصون لتتحصن بها من كيدهم .
من فعل ذلك فقد اتقى هذه المحاذير، ولكن تقوى الله لا تكون بالحصون، ولا بالسلاح، ولا بالجنود؛ وإنما تكون بطاعته وامتثال لأوامره، واجتناب ما نهى عنه سبحانه .
إن تقوى الله هي سفينة النجاة يوم القيامة فإنها التزام وطاعة لله رسوله، وإنها سلوك طريق نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، فمن التزم بها كان من أحباب الله وأحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ويقول عليه الصلاة والسلام :«إن أولى الناس بي يوم القيامة المتقون من كانوا وحيث كانوا».
ويقول الله عز وجل: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا} ويقول تعالى :{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}.
فتقوى الله هي أن تفعل ما أمرك الله سبحانه وتعالى به؛ رجاء ثوابه، وأن تترك معصية الله؛ خوفًا من عقابه.
يقول الله تعالى:{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}..[الطلاق: 2- 3] .
وقد وعد الله المتقين من عباده بأن يخرجه من أزمات الدنيا حيث ييسر له أمره ويبعد عنه الأذى والضرر ،وقد جعل الله علاقة قوية بين التقوى والرزق فمن يتق الله فى كل شئ أمرهُ به، فيرزقه رزقاً واسعاً من حيث لا يدرى ولايعلم .
كيف أستشعر خشية الله؟ تستشعر خشية الله –تعالى-.
أولاً: إذا قرأت في كتاب الله –عز وجل-، قال –تعالى-: "لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله" [الحشر:21]، وقال – عالى-: "الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله…".
ثانياً: إذا نظرت في كون الله المنظور، وفكرت في خلق السموات والأرض، وفي نفسك تستشعر خشية الله، قال –تعالى-: "وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون" [الذاريات:20 –23] وغير ذلك من الآيات المسطورة والمنظورة، يجعلك تستشعر خشية الله، ولله در من قال –سبحان ربي! آمن بك المؤمن ولم ير ذاتك، وجحدك الجاحد، ووجوده في ملكك دليل على وجودك وعظمة ذاتك.
كيف أكون من عباد الله المخلصين؟
تكون كذلك: إذا أطعت ربك واجتهدت في طاعته، وأخلصت له العبودية، ولم يكن للشيطان عليك سبيلٌ، كنت من عباد الله المخلصين، قال –تعالى- عن إبليس اللعين:
"قال رب بما أغويتني لأزيننَّ لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين، قال هذا صراطٌ علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين" [الحجر:39 –42] وأيضاً إذا سألت فلا تسأل إلا الله، وإذا استعنت فلا تستعن إلا بالله، تكن من عباد الله المخلصين، قال – صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عباس –رضي الله عنهما-: "يا غلام: إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله…" رواه الترمذي (2516).
وأيضاً إذا أردت أن تكون من عباد الله المخلصين، عليك أن تخلص لله في كل أمورك وشؤونك، فيفيح عبير إخلاصك، قال ابن الجوزي –رحمه الله-: (فمن أصلح سريرته فاح عبير فضله، وعبقت القلوب بنشر طيبه، فالله الله في السرائر، فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح ظاهر).
نسأل الله –تعالى- أن يرزقنا وإياك والمسلمين، الإخلاص في السر والعلن، وصلى الله وبارك على نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم-