تأثيرات إيجابية على مركباتهما الكبريتية عند طهي البصل والثوم
في البصل والثوم تبقى دوما مشكلة الطعم والرائحة غير المحببين لمن يقترب من متناولهما في هيئة نيئة غير مطبوخة. ومع هذا، فثمة من يعشقون تناول الثوم والبصل، ولسان حالهم: معلوم أنهما يتسببان في الرائحة النفاذة في الجسم والفم بعيد تناولهما، ولكن الرائحة ليست مشكلة لدي، فأنا «عزوبي» غير متزوج، أو أنا لا أختلط كثيرا بالناس، أو سأضع في فمي ما يغير رائحته.. ولذا، لا تحرموني من الفوائد الصحية للمواد الموجودة بشكل مركز في الثوم والبصل وابن عمهما «الكراث»، دون بقية المنتجات النباتية.
والبعض الآخر من الناس، نظر إلى الموضوع «من أوله وآخره» وتحاشى تناولهما بُعدا عما يتبع ذلك، لا محالة، من الرائحة في الفم والجسم، وأيضا لقناعته أن ثمة طيفا واسعا من الأطعمة المفيدة والخالية من هذه الـ«منغصات»، وبالتالي فإنه لن يخسر الكثير إذا ما تخلى عن إضافتهما إلى وجبات طعامه اليومي.
وأهل الحكمة حينما تطرقوا إلى الموضوع، تركوا لمن يشاء تناولهما، ولكنهم أبدوا صراحة عدم إقبالهم على تناولهما، ونصحوا من يعشق تناول أي منهما بأن «يميتونهما طبخا».
وهنا، يُطرح سؤالان علميان مهمان، وهما:
– هل في الأصل أن لتناول الثوم أو البصل فوائد صحية ثابتة للوقاية أو لمعالجة الأمراض المهمة التي تتسبب في أعلى معدلات سنوية للوفيات والإعاقات عالميا؟
– لماذا النصيحة بطهي البصل والثوم؟ وهل تختلف مكونات المركبات الكيميائية فيهما عند طبخهما عن تلك التي فيهما عندما يكونان نيئين؟
وللإجابة عن السؤال الأول، ثمة شك علمي كبير حول «مزاعم» الجدوى الصحية لتناول الثوم أو البصل بشكل «يومي منتظم» و«بكميات غير معتادة».
وقد أشارت لنا المراجعات الطبية للدراسات العلمية التي تم إجراؤها حول تأثيرات الثوم والبصل على الأمراض المهمة، بصريح العبارة إلى أن كثيرا من الفوائد الصحية التي تنسب لتناولهما، هي غير واقعية ولم تثبت علميا، وتحديدا في جوانب خفض الكولسترول، وخفض ضغط الدم، وضبط نسبة السكر في الدم، والوقاية من أمراض شرايين القلب، والوقاية من أنواع شتى للأمراض السرطانية. وهو ما سبق عرضه في عدد 5 أبريل (نيسان) 2024 من مجلة «صحتك» في «الشرق الأوسط».
وعلى العكس، فإن دراسة التأثيرات الصحية لمنتجات غذائية أخرى، أثبتت نتائج قوية في جدواها العلاجية والوقائية لحالات مرضية عدة، دون أن تكون فيها تلك الرائحة أو ذاك الطعم غير المحببين، مثل زيت الزيتون، وبذور الكتان، والألياف النباتية، وحبوب الشوفان، وعصير العنب الطبيعي ببذره، والطماطم، والفلفل الحار دون بذره، والشمندر، والعسل، والتمر، والتين، والرمان، والمكسرات، والأسماك الغنية بدهون «أوميغا-3»، وغيرها من «الطيبات من الرزق».
بيد أن عدم ثبوت الجدوى الصحية في «المداومة اليومية» على أكل «كمية كبيرة غير معتادة» من الثوم أو البصل لـ«غاية علاجية»، لا يعني أنهما لا يحتويان على أي قيمة غذائية مفيدة عند إضافة أي منهما بكميات معتدلة إلى أحد أطباق الأطعمة، ومن آن لآخر.
وهما في الحقيقة من المنتجات النباتية التي تحتوي على معادن وفيتامينات وألياف وسكريات، وبشكل خاص فإنهما يحتويان على كميات أعلى من المواد الكيميائية الكبريتيةsulfur-based molecules.
وهذه المواد الكبريتية هي السبب في زيادة دموع العين عند تقطيع البصل، وهي المتسببة في الرائحة والطعم الخاص بالثوم والبصل. وهناك ثلاثة أنواع رئيسية منها، الأولى، مركبات أكاسيد الكبريت (سيلفأوكسايد (sulfoxides، مثل مركبات «ألينين» alliins. والثانية، مركبات «ثيوسيلفانيت» thiosulfinates، مثل مركبات «أليسين» allicins. والثالثة، مركبات «ديثين» dithiins، مثل مركبات «أجوين» ajoenes.
ثم مع الطبخ والتعرض للحرارة، لا تتلف هذه المركبات الكبريتية، بل تزداد غنى وتنوعا، وتزول الرائحة غير المحببة عنها. ذلك أن مركبات «ثيوسيلفانيت» و«ديثين» تنشأ عنها، بفعل حرارة الطهي، خمسة أنواع جديدة من المركبات الكيميائية الكبريتية ذات التأثيرات الصحية المفيدة، خاصة إذا ما كان الطهي لفترة لا تتجاوز نصف ساعة، وهي الكافية لـ«الإماتة طبخا» والحصول على غنى وغزارة وتنوع لمركبات الكبريت الكيميائية في الثوم أو البصل.
وعودا على منتصف، وللإجابة عن السؤال الثاني، نعم، تختلف مكونات الثوم أو البصل «الميت طبخا» عن تلك التي في الثوم أو البصل النيئ.
ومن يحرصون على تناول البصل أو الثوم، إنما يحرصون على تناول مواد المركبات الكيميائية الكبريتية. وهذه المواد تكون في أفضل حال وأغنى تركيز وأكثر تنوع، وأقل نفاذا في الرائحة، حين تناول الثوم أو البصل «الميتين طبخا».