تخطى إلى المحتوى

في ضوابط نصيحة أئمة المسلمين [حكامًا وعلماء] 2024.

السلام عليكم ورحمة لله وبركاته

في ضوابط نصيحة أئمة المسلمين
[حكامًا وعلماء]

نص السؤال:
نرجو -من فضيلتكم- بيانًا حولَ حديث النصيحة المشهور، وأين يمكن تصنيف العلماء والدعاة والأئمة في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» ؟ وهل توجيه النصح للعلماء والدعاة وتبيينُ أخطائهم عن طريق شبكة الأنترنيت يُعَدُّ من النصح المشروع ؟ وكيف يتم نصحهم إذا دعت الحاجة إلى ذلك ؟
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فينبغي على المسلم أن يعلمَ أنَّ للخلق حقوقًا عليه، وآدابًا يلزمه القيامُ بها إزاءَهم، سواءً كانوا أقاربَه أو جيرانه أو إخوانه أو غيرهم، ومن هذه الحقوق والآداب التي يسلك سبيلها مع الخلق أن يُبيِّنَ لهم الخيرَ في الشيء الذي يريد أن ينصحَهم به، ويُطْلِعَهم على الصواب في الأمر الذي يقصد توجيههم إليه إحسانًا إلى الخلق، صادرًا عن رحمةٍ وَرِقَّةٍ للمنصوح لهم، وعبادةً خالصةً بالنصيحة، وقُربةً يتقرَّب بها إلى الله تعالى.
ومن منطلق الأخوة الإيمانية فإنَّ أعظم مَنْ يفي لهم بحقِّ النصيحة مع القيام بواجبها اتِّجاههم، هم «أئمَّة المسلمين» عامَّةً سواءً كانوا أهلَ الأمن والاستقرار مِنَ الحُكَّام، أو أهلَ الإرشاد والدلالة مِنَ العلماء، ذلك لأنَّ أهلَ العلم بالقرآن والسنَّة وحملةَ الفقه والحكمة والاجتهاد، والدُّعاةَ إلى الله بالحُجَّة والبرهان يُصَنَّفُونَ مع أئمَّة المسلمين منَ الحكَّام والأمراء وقادتهم ومَن ينوب عنهم، تَشْمَلُهُم جميعًا عبارة «..وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ» الواردة في حديث النصيحة المشهور في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا لِمَنْ ؟ قَالَ: للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»(١)، وهم أولو الأمر كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، فالعلماءُ هم قادة الأُمَّة بشريعة الإسلام، والحكَّامُ والأمراءُ قادَة الأمَّة بالسلطة والتنفيذ. وقد جعل الله سبحانه طاعةَ أولي الأمر تابعةً لطاعته وطاعةِ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، إذ «لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ»(٢)، وممَّا يدلُّ على جواز إطلاق اسم أولي الأمر على العلماء قولُه تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢]، فقد أوجب الله الحذر بإنذارهم، وألزم المنذَرين قَبول قولهم، ويدل عليه -أيضًا- قولُه تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩]، إذ ليس لغير العلماء معرفةُ كيفيةِ ردِّ المتنازَع فيه إلى الكتاب والسنَّة، فدلَّ هذا على صِحَّة كون سؤال العلماء واجبًا وامتثال فتواهم لازمًا(٣)، وقولُه تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣]، والمُسْتَنْبِطُ إنما هو العالم الفقيه الذي يستخرج الحكمَ باجتهاده وفهمه، فالآية دلَّت على أنَّ القياسَ والاعتبارَ حُجَّةٌ في الشرع وأنه صفةٌ لأولي الأمر، فلذلك ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أنَّ «أُولي الأمر» هم العلماء حيث كانوا، وهو قول جابرٍ ومجاهدٍ وغيرِهم من السلف، وبه قال مالكٌ رحمهم الله جميعًا، ولا مانع من إرادة الصِّنفين معًا، فالعلماءُ أهلُ الإرشاد والدلالة يُسْتَنَدُ إليهم في أمر الشرع والعلم به، والحكَّامُ والأمراء أهلُ الإلزام والتنفيذ يُسْتَنَدُ إليهم في تنفيذ الشرع وإمضائه، فبصلاح العلماء والحكَّام تصلُح الأمور وتستقيم، وبفسادهم تفسُد الأمور وتضطرب وتنحرف، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه؛ وهم الذين يأمرون الناس؛ وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام؛ فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء والأمراء، فإذا صلَحوا صلَح النَّاس، وإذا فسَدوا فسَد الناس»(٤).
فإذا تقرَّر هذا، فإنَّ طريقة النصيحة التي يحصل بها المقصود وتسلم من المحذور هي التي تُحاط بجملة ضوابِطَ، أضعها بين يدي الناصح وهي:
أولاً: الإخلاصُ في النصيحة وابتغاء وجه الله بها؛ لأنَّ النصيحةَ عبادةٌ وإحسانٌ وشفقةٌ وغَيرةٌ على المنصوح، وقد سمَّاها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دِينًا في قوله: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، لذلك ينبغي أن يكون المراد منها: وجهَ الله تعالى ورضاه، والإحسانَ إلى خلقه، والحذر من اتباع سُبُلِ الهوى، والتماسِ حظوظ النفس بالتأنيب الذي يَقْصِدُ به الإهانةَ والشتمَ في صورة النصح. وفي مَعْرِضِ التفريق بين النصيحة والتأنيب يقول ابن القيم -رحمه الله-: «النصيحة: إحسانٌ إلى من تنصحه بصورة الرحمة له والشفقة عليه والغيرة له وعليه، فهو إحسانٌ محضٌ يصدر عن رحمةٍ ورِقَّةٍ، ومرادُ الناصح بها وجهُ الله ورضاه، والإحسانُ إلى خلقه، فيتلطَّفُ في بذلها غاية التلطُّف، ويحتمل أذى المنصوح ولاَئِمَتَه، ويعامله معاملةَ الطبيبِ العالمِ المشفقِ للمريض الْمُشْبَعِ مرضًا، وهو يحتمل سوء خُلُقِه وشراستَه ونفرتَه، ويتلطَّف في وصول الدواء إليه بكلِّ ممكنٍ فهذا شأن الناصح.

وأمَّا المؤنِّب فهو: رجلٌ قصْدُه التعييرُ والإهانة وذمُّ من أنَّبه وشتمه في صورة النصح، فهو يقول له: «يا فَاعِلَ كذا وكذا، يا مستحِقًّا الذمَّ والإهانةَ» في صورة ناصحٍ مشفقٍ.
وعلامةُ هذا: أنه لو رأى من يُحِبُّه ويُحْسِن إليه على مثل عمل هذا أو شرٍّ منه لم يَعْرِض له، ولم يقل له شيئًا، ويطلب له وجوهَ المعاذير، فإن غُلِبَ قال: «وأنَّى ضُمِنَتْ له العصمةُ ؟ والإنسان عرضة للخطإ ومحاسنُه أكثرُ من مساويه، والله غفور رحيم»، ونحو ذلك.
فيا عجبًا، كيف كان هذا لمن يحبُّه دون من يبغضه ؟ وكيف كان حظُّ ذلك منك التأنيبَ في صورة النصح، وحظُّ هذا منك رجاءَ العفوِ والمغفرةِ وطَلَبَ وجوهِ المعاذير ؟»(٥).
ثانيًا: تطهيرُ القلب من الغِلِّ والغِشِّ في مناصحة أئمَّة المسلمين، فيحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه؛ لأنَّ النصيحة منافية للغِلِّ والغِشِّ ولا تجامعهما بحالٍ، وقد أخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن ذلك بقوله: «ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ للهِ، وَمنَاصحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ -وفي لفظٍ: طَاعَةُ ذَوِي الأَمْرِ- وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ الدَعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ»(٦)، ذلك لأنَّ هذه الثلاث تنفي الغِلَّ والغِشَّ ومفسداتِ القلبِ وسخائِمَه كما بَيَّن ذلك ابن القيم -رحمه الله-(٧).
ثالثًا: التأكُّد من وقوع المنصوح في مخالفة أو منكر قضت بذمِّه النصوص الشرعية، أو دلَّت على حكمه الأصول الشرعية، فإن تَثَبَّتَ الناصح من حقيقة المخالفة أو عينِ المنكر وعرف مرادَهم منه نظر إلى سيرتهم في حكمهم ودعوتهم، فإن كانت حسنةً حمل كلامهم على الوجه الحسن، لقوله تعالى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ [الأعراف: ٥٨]، وإن كانت سيرتهم غير ذلك حمل كلامهم على الوجه السيِّئ، لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا﴾ [الأعراف: ٥٨]، أمَّا إذا عرف مرادَ كلامهم ولكنَّه جهل حكم الشرع فيه، فالواجب أن لا يتدخَّلَ بنصيحةٍ غيرِ مصطَبِغَة بالحقِّ، ذلك لأنَّ العلم ما قام عليه الدليلُ وشهد له البرهانُ وأيَّدته الحُجَّةُ.
رابعًا: ومن وجوه النصيحة لأئمَّة المسلمين:
١- محبَّة صلاحهم ورشدِهم وعدلِهم وما يحملونه من علمٍ وتقوى، ومحبةُ اجتماع الأُمَّة عليهم وكراهةُ افتراق الأُمَّة عليهم، والتعاونُ معهم على الحقِّ وطاعتُهم فيه، والدعاءُ لهم بالثبات والتقوى والصلاح والتوفيق والسداد.
٢- تصديقهم بما يروونه من الأحاديث وما أدلَوْا به من الآراء والأقوال النابعة من الاجتهاد المبنيِّ على مصادر التشريع ومداركه ما داموا وعاةً للعلم وأهلاً للثقة.
وبناءً عليه، فليس من حقِّ الناصح بالضرورة أن يجدَ صَدًى إيجابيًّا لنصيحته، فإن تضمَّنت نصيحتُه حكمًا عقديًّا ثابتًا عند أهل السنَّة والجماعة، أو حكمًا شرعيًّا مُجْمَعًا عليه، أو حكمًا راجحًا مؤيَّدًا بقوَّة الأدلَّة، فإن قبلوا نصيحته فإنه يحمد الله على توفيقه لقَبولهم لها ويتعاون معهم عليها، وإن كانت الأخرى فعزاؤه أنه أَدَّى الواجب نحوهم، ولا يتعاون معهم فيما خالفوا فيه الحقَّ، إذ «لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ»، والناصح لا يعادي من ينصحه إذا لم يقبلْ نصيحتَه بل يدعو لهم بالهداية والسداد، بخلاف المؤنِّب فإنه بضدِّ ذلك، قال ابن القيم -رحمه الله-: «ومن الفروق بين الناصح والمؤنِّب: أنَّ الناصحَ لا يعاديك إذا لم تقبل نصيحته، وقال: «قد وقع أجري على الله، قبلتَ أو لم تقبلْ» ويدعو لك بظهر الغيب، ولا يذكر عيوبك ولا يُبيِّنُها في الناس، والمؤنِّب بضِدِّ ذلك»(٨).
أمَّا إذا كانت نصيحته خاويةً ممَّا سبق تقريرُه فلا يتحامل عليهم إذا تركوا العمل بنصيحته لاحتمال عدم تضمُّنها -في نظرهم- فقهًا سليمًا أو حكمًا واجب الأخذ به، أو كانت النصيحة خارجةً عن الموضوع الذي قرَّروه فتقع على غير وجهها ومرماها، أو ألزمهم بمقتضى حديثٍ لم يعملوا به لِعِلَّة ضعفه عندهم أو العكس، أو تركوا العمل بها بما لا مبلغ له من العلم ونحو ذلك، فلا تُرْفَعُ إليهم نصيحةٌ حكمُ مضمونِها منسوخٌ أو مرجوحٌ أو مردودٌ بالنصوص الشرعية أو مدفوعٌ بالإجماع أو تمثَّلت النصيحة في قولٍ مخالفٍ للقياس والمصلحة والاعتبار.
٣- تذكيرُهم بالمسؤولية الملقاةِ على عاتقهم، وتعريفُهم بالأخطاء والمخالفات التي وقعوا فيها برِفقٍ وحكمة ولطف، والأصل في وعظِهم أن يكون سِرًّا، وإذا طلبوا تقديمَ النصيحة أمامهم علنًا وفتحوا على أنفسهم باب إبداء الرأي والانتقاد وأذنوا فيه؛ فيجوز نصيحتهم بالحقِّ من غير هتكٍ ولا تعييرٍ لمنافاتهما للجانب الأخلاقي، ولا خروجٍ بالقول والفعل لمخالفته لمنهج الإسلام في الحكم والسياسة، ويتمُّ وعظُهم سرًّا إمَّا عن طريقٍ خطابٍ سِرِّيٍّ مرسل إليهم عبر البريد الخاصِّ أو الإلكتروني، وإمَّا بتسليمه يدويًّا مِن قِبَل ثقة، أو بطلب لقاءٍ أخويٍّ يُسِرُّ إليهم فيه بالنصيحة، ونحو ذلك من أسباب حصول الانتفاع بالنصيحة في مجال الدعوة والتعليم والإعلام.
قال الشافعيُّ: «من وعظ أخاه سِرًّا فقد نصحه وَزَانَه، ومَنْ وعظه عَلاَنِيَةً فقد فضحه وشانه»(٩).
وقال ابن رجب -رحمه الله-: «وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحدٍ وعظوه سرًّا، حتى قال بعضهم: «من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبَّخه». وقال الفضيل بن عياض -رحمه الله- «المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعيِّر». قال عبد العزيز بن أبي روَّاد: «كان مَنْ كان قبلكم إذا رأى الرجلُ من أخيه شيئًا يأمره في رفق فيُؤْجَرُ في أمره ونهيه، وإنَّ أحد هؤلاء يخرق بصاحبه فيستغضب أخاه ويهتك ستره». وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر، فقال: «إن كنتَ فاعلاً ولا بد ففيما بينك وبينه»»(١٠).
ولله درُّ الشافعي إذ يقول:
تَعَمَّدْنِي بِنُصْحِكَ فِي انْفِرَادِي * وَجَنِّبْنِي النَّصِيحَةَ فِي الْجَمَاعَهْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ * مِنَ التَّوْبِيخِ لاَ أَرْضَى اسْتِمَاعَهْ
وَإِنْ خَالَفْتَنِي وَعَصَيْتَ قَوْلِي * فَلاَ تَجْزَعْ إِذَا لَمْ تُعْطَ طَاعَهْ(١١)
وعليه، فليس من طرق النصيحة تمريرها على شبكات الأنترنت والصحف والمجلات وغيرها إذا لم يأذن فيها المنصوحُ له، فإن أذن فإنه يراعى الجانب الأخلاقي في التعامل بالنصيحة معه تقصُّدًا لتعميم فائدة النصيحة، ذلك لأن هذه الوسائل موضوعة ابتداءً للإعلام والتشهير والتبليغ، وقد تُسْتَعْمَلُ غالبًا في بعض الشبكات ووسائلِ الإعلام للتعيير والإهانة والذمِّ في صورة النصيحة، الأمرُ الذي يقضي بمنافاتها للنصيحة في قالبها السِّرِّي والأخلاقي، لأنها بهذا الشكل تدخل في التأنيب والتشنيع.
٤- صيانةُ اللسان عن ذمِّهم وتجريحهم وإهانتهم، والامتناعُ عن سبِّهم ولعنهم، والتشهيرِ بعيوبهم ومساوئهم؛ لأنَّ ذلك يوجب عداوتهم والحطَّ من قدرهم والانتقاصَ من شأنهم. وفتحُ مجال الإغارة عليهم بالقدح والطعن يُفْقِدُهم الهيبة ويجعلهم محلَّ التهمة، الأمرُ الذي يُخْشَى من ورائه ضياعُ الأُمَّة شريعةً وأمنًا، إذ في اتِّهام العلماء في أقوالهم ومعارفهم تضييعٌ للشريعة لكونهم أهلَ الإرشاد والدلالة، وفي فقد الثقة في الأمراء والحكَّام تضييعٌ للأمن والاستقرار، وضمن هذا المعنى يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «ولهذا نرى أنَّ من الخطإ الفاحش ما يقوم به بعض الناس من الكلام على العلماء أو على الأمراء، فيملأ قلوب الناس عليهم بُغضًا وحقدًا، وإذا رأى شيئًا من هؤلاء يرى أنه مُنكر فالواجب عليه النصيحة، وليس الواجب عليه إفشاءَ هذا المنكر أو هذه المخالفة، ونحن لا نشكُّ أنه يوجد خطأٌ من العلماء، ويوجد خطأ من الأمراء، سواء كان متعمَّدًا أو غير متعمَّد، لكن ليس دواء المرض بإحداث مرضٍ أعظمَ منه، ولا زوال الشرِّ بِشَرٍّ أَشَرَّ منه أبدًا، ولم يضرَّ الأمة الإسلامية إلاَّ كلامُها في علمائها وأمرائها، وإلاَّ فما الذي أوجب قتْلَ عثمان ؟ هو الكلام فيه، تكلَّموا فيه، وأنه يحابي أقاربه وأنه يفعل كذا ويفعل كذا، فحملت الناسُ في قلوبها عليه، ثمَّ تولَّد من هذا الحمل كراهةٌ وبغضاءُ وأهواءٌ وعداء، حتى وصل الأمر إلى أن قتلوه في بيته، وتفرَّقت الأُمَّة بعد ذلك، وما الذي أوجب قتْلَ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلاَّ هذا ؟ خرجوا عليه وقالوا: إنه خالف الشرع وكفَّروه، وكَفَّروا المسلمين معه، وحصل ما حصل من الشرِّ.. وأرى أنه يجب الكفُّ عن نشر مساوئ الناس ولا سيما العلماء والأمراء وأنه يجب إصلاح الخطإ بقدر الإمكان، ولكن بالطريقة التي يحصل بها المقصود ونسلم فيها من المحذور»(١٢).
وأخيرًا؛ أختم هذه الكلمة بما ذكره ابن دقيق العيد -رحمه الله- حيث قال: «وأمَّا النصيحة لأئمَّة المسلمين: فمعاونتُهم على الحقِّ وطاعتُهم وأمرُهم به، وتنبيهُهم وتذكيرُهم برِفقٍ ولُطف، وإعلامُهم بما غفلوا عنه، وتبليغُهم من حقوق المسلمين، وتركُ الخروج عليهم بالسيف، وتأليفُ قلوب الناس لطاعتهم والصلاة خلفهم، والجهادُ معهم وأن يَدْعُوَ لهم بالصلاح»(١٣).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسَلَّم تسليمًا
الجزائر في: ٢٣ من المحرَّم ١٤٣١ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٩ يناير ٢٠١٠م
المصدر https://ferkous.com/home/?q=art-mois-49

جزيت الجنة وجعله في ميزان حسناتك
دمت ريحانة
بارك الله فيك موضوع قيم
في ميزان حسناتك ان شاء الله .
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا موضوع قيم

السلام عليكم وجزاكم لله خير مادعوتم بارك لله فيكم على الرد
بوركت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.