الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الفتن [ ] جمع فتنة, وجماع معنى الفتنة [ ] الابتلاء [ ] والامتحان والاختبار ومنه قوله تعالى: {وفتناك فتوناً}[طه:40]، ووقوله: {آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}[العنكبوت:1–2]، أي: لا يختبرون فيميز خبيثهم من طيبهم، وأصلها مأخوذ من قولك فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار [ ] لتميز الرديء من الجيد…
والفتن: الإحراق، ومن هذا قوله -عز وجل-: {يوم هم على النار [ ] يفتنون{أي يحرقون بالنار…
وقال تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات}أي حرقوهم….
والفتنة [ ] العذاب ومنه قوله تعالى: {ذوقوا فتنتكم}[الذاريات:14]، أي: عذابكم..
وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب (أي ما يكون بسببه العذاب).. نحو قوله: {ألا في الفتنة [ ] سقطوا}[التوبة:49[.
وجعلت الفتنة [ ] كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وقد قال فيهما: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} (الأنبياء:35).
وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالاً، كما في قوله تعالى: {إنما نحن فتنة}[البقرة102]، {والفتنة [ ] أشد من القتل}[البقرة:191]، {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}[البقرة:193]، وقال: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة [ ] سقطوا}[التوبة49]، أي: يقول لا تبلني ولا تعذبني، وهم بقولهم ذلك وقعوا في البلية والعذاب….
وقال: {واحذرهم أن يفتنوك}[المائدة:49]، {وإن كادوا ليفتنونك}[الإسراء:73]، أي: يوقعونك في بلية وشدة في صرفهم إياك عما أوحي إليك، وقوله: {فتنتم أنفسكم}[الحديد:14]، أي: أوقعتموها في بلية وعذاب، وعلى هذا قوله: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}(الأنفال:25).
قال ابن حجر:
ومعنى الفتنة [ ] في الأصل الاختبار والامتحان، ثم استعملت في كل أمر يكشفه الامتحان عن سوء.
وتطلق على الكفر، والغلو في التأويل البعيد، وعلى الفضيحة والبلية والعذاب والقتال والتحول من الحسن إلى القبيح والميل إلى الشيء والإعجاب به، وتكون في الخير والشر كقوله تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة).
ويسمى الصائغ الفتان، وكذلك الشيطان،…
وعلى هذا فالفتنة [ ] المحنة، والفتنة [ ] المال، والفتنة [ ] الأولاد، والفتنة [ ] الكفر، والفتنة [ ] اختلاف الناس بالآراء، والفتنة [ ] الإحراق بالنار…..
بل والتكليف كله بلاء واختبار قال تعالى: {الذي خلق الموت [ ] والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور}(الملك:2).